تصادف غدا الاثنين 8-4-2024 الذكرى السنوية الرابعة والعشرين لرحيل المناضل والسياسي والمفكر والكاتب الروائي والحقوقي والصحافي إبراهيم أحمد، الذي ترك أثرا بارزا في تلك المجالات وسجل ظهورا بارزا في التاريخ الكوردي ومارس مراحل الكفاح و النضال السياسي والقانوني والثقافي، وعرف كأيقونة للديمقراطية في العراق وكمدافع عن الأخوة العربية الكوردية.
بذور الوعي بفداحة الظلم القومي تشكلت في نفسه مبكرا
ولد الراحل إبراهيم احمد فتاح في السليمانية عام 1914 منحدراً من عائلة عريقة ومعروفة في هذه المدينة الكردستانية الولادة لكبار الأدباء والمناضلين وأهل الفكر ورواد الفن، ومنذ نعومة أظفاره تشكلت في نفسه بذور الوعي العميق بفداحة الظلم القومي والاجتماعي الذي يعاني منه أبناء جلدته الكرد، في انعدام الحقوق القومية وسيطرة الجهل والتخلف والفروق الطبقية كما عانى من التعسف والقمع والإقصاء والتهميش والحرمان وأبسط الحقوق القومية والإنسانية.
التحق بالحقوق ليزيل بالقانون الإجحاف بحق المعدمين
لجأ إبراهيم أحمد الى الشعر ليكتب خلجات نفسه في سطور رقيقة مغموسة بعطر الأماني العذبة التي يمني بها نفسه أن تتحقق لشعبه ووطنه.. وعندما صار في أوائل العشرينات من العمر انخرط في كلية الحقوق.. آملاً أن يزيل من خلال مواد القانون الكثير من مظاهر الإجحاف المحيقة بالناس المعدمين والفقراء الذين كرس إبراهيم حياته دفاعاً عن حريتهم وحقوقهم المشروعة في الحرية والديمقراطية والحياة الأفضل.

روايته (مخاض الشعب) درس في النضال الوطني
وانطلق إبراهيم احمد المتأثر بالمبادئ الاشتراكية والثورية في النضال الفكري من أجل ضمان الحقوق القومية للشعب الكردي، لينضم الى حزب هيوا في منتصف الثلاثينات مع مجموعة من أكابر المثقفين ورجال السياسة ولم يتجاهل سطوة القلم واثر الفكر لذا ظل في تواصل مستمر صحفياً وقاصاً وشاعراً وروائياً ومبدعاً متميزاً في كتابة كل الأجناس الأدبية فقصيدة (شيرين به هاره) ذائعة الصيت صارت نشيداً عذباً على لسان كل الأحرار الكرد، وروايته (مخاض الشعب) وقصصه الاجتماعية دروساً في النضال الوطني.. وفي منتصف الأربعينيات التحق بثوار جمهورية مهاباد في كردستان إيران.
أشد المؤمنين بالعراق التعددي البرلماني الديمقراطي
كان الراحل عمادا للحركة الفكرية الثورية الكردية مناضلاً ومفكراً ومقاتلاً ثورياً.. يمارس على وفق منطلقاته الفكرية النيرة كل ما يمكن ان يحقق من خلاله آمال وتطلعات الشعب الكردي في العراق مؤمناً أشد الإيمان بأن العراق الديمقراطي التعددي البرلماني الحر التقدمي هو خير خيمة لكل أبنائه.
لقد كان إبراهيم بحق مدرسة للنضال والوطنية والقيم الإنسانية السامية، تخرجت منها رموز نضالية كردية كبيرة كالرئيس العراقي الراحل جلال طالباني والمرحوم عمر مصطفى (دبابة) و(علي العسكري) و(حلمي علي شريف) و(شازاد صائب) و(دكتور خالد) وغيرهم.

ردم الهوة بين المثقف والسياسي
عرف الراحل إبراهيم أحمد بأنه من قلة الرجال الذين تحملوا مسؤولية القيادة في ظروف تحولات كبرى، وتحلوا برؤية ثاقبة وبصيرة نافذة، وقاموا بأعمال تأسيسية رائدة، فلقد ردم الفقيد الكبير الفجوة بين المثقف والسياسي، ووصفه الأدباء رائدا للقصة الكردية الحديثة، وهو صاحب الرواية الشهيرة (مخاض شعب) كما كان رائداً من رواد الشعر الحر والنثر الأدبي، وتألق في ميدان الصحافة فكان يكتب افتتاحيات (خه بات) التي ترأس تحريرها.
دعا إلى تعاون الحركتين التحرريتين العربية والكردية

لقد بدأ إبراهيم أحمد السياسي مشوار نضاله بعمر 16 عاماً وشارك في انتفاضة أيلول عام 1930 وتقلد مراكز سياسية مهمة الى أن أصبح عام 1951 سكرتيراً للجنة المركزية للبارتي، ويكون بذلك قد زاوج بين السياسة والأدب، فكان يكتب خطابه السياسي بروحية المثقف الملتزم والملم باحتياجات وهموم شعبه، ويدعو الى تعاون الحركتين التحرريتين العربية والكردية، ومثل الحزب الديمقراطي الكردستاني في جبهة الاتحاد الوطني بعد انتصار ثورة 14 تموز 1958، وكثيراً ما كتب في افتتاحيات جريدة (خه بات) عن الإخوة الكردية العربية لاسيما في الدفاع عن عروبة فلسطين عام 1948.
قصيدة أمست نشيداً
إن إبراهيم أحمد تأثر كثيراً بملك كردستان محمود الحفيد، حيث شارك في انتفاضة ايلول عام 1930 وهز عرش الاتفاقية البريطانية العراقية آنذاك بمقر قيادته للانتفاضة وأجبر الملك غازي وجعفر العسكري الى المجيء للسليمانية للاستماع الى مطالب الجماهير وقد ترسخت شخصيته عبر هذه الأجواء الثورية.

وفي الحياة الأدبية برز إبراهيم أحمد شاعراً وقاصاً وصحفياً مبدعاً.. وكتب قصيدة صارت نشيداً للكرد منذ عام 1932 وقام بأداء القصيدة احد قراء المقام المعروفين مما زاد من شهرة القصيدة بحيث صارت توزع في البيوت على الأشرطة والكاسيت فيما بعد. اما محطته الوطنية الأهم، فكانت عندما زاوج بين المصالح الوطنية العربية والكردية ووضعه في كتيب عام 1937 ونادى بضرورة التضامن والوحدة في الكفاح العربي الكردي، وقام مام جلال بكتابة مقدمة جيدة للكتاب طبعته الثانية في الستينات يقول فيها مام جلال (هذا الكتاب وثيقة تاريخية هامة تكشف حقيقة ان الحركة الوطنية الكردية أدركت بوعي كبير حقيقة الواقع وآمنت بضرورة تغييرها نحو الأفضل).
لقد أحدث الكتاب ضجة كبيرة بحيث لم يعجب الشوفينيون الكرد والشوفينيون العرب وحقق الكتاب شهرة واسعة لإبراهيم أحمد لاسيما في أروقة نادي بغداد الذي كان مرتعا لكبار السياسيين والمثقفين في بغداد. وبعد الحرب العالمية الثانية وقف ضد الفاشية ونشر قصيدة تدين الفاشية وتدافع عن السوفيت وكل المناضلين.

يحتفظ لإبراهيم أحمد ريادته للرواية
وإذا كان الشاعر عبد الله كوران رائداً للشعر الكردي الحديث فان إبراهيم احمد هو رائد القصة الكردية، لكن السياسة تحفظت على نشاطه الأدبي، وأول قصيدة له الأمل والذكريات. فقد كان إبراهيم أحمد سياسياً من طراز خاص، وأديباً شاملاً في الشعر والقصة والمقالة واصدر مجلة كلاويز لعشر سنوات متواصلة وهي اكبر مجلة كردية عمراً، وكان له دور كبير في تنقية اللغة الكردية وإبعاد الكلمات الداخلية عنها، وترأس صحيفة (خه بات) كما اصدر مجلة كلاويز للفترة 1930-1940، ويحتفظ لابراهيم احمد ريادته للرواية فهو من اوائل من كتبوا الرواية، وكان له دور كبير في ارساء اسس الادب الكردي الحديث.
تخلى عن القضاء ليتفرغ للأدب
عين ابراهيم احمد قاضياً في مدينة حلبجة الا انه تخلى عن هذه الوظيفة ليتفرغ لإصدار مجلته كلاويز في 1/12/1939 التي استمرت في الصدور حتى عام 1919 في بغداد، وكان يشاركه في اصداره الشهيد شاكر فتاح وعلاء الدين السجادي وجمع كبير من كبار الكتاب الكرد، خدمت هذه المجلة اللغة الكردية وقوميتها وجعلتها ضمن المعايير والمقاييس كما قامت بحماية الأدب الكردي القديم وحاولت بناء ادب كردي حديث وترجمت نتاجات عالمية الى اللغة الكردية إضافة الى البحوث التاريخية والاجتماعية، ترك الاستاذ ابراهيم احمد العراق ملتجأ الى العاصمة البريطانية لندن وهنالك اصدر في اوائل الثمانينات مجلة (جريكه ى كردستان-صيحة كردستان) وكان ينضد ويطبع المجلة بنفسه وفي بيته ثم يرسلها الى معارفه وأصدقائه بالبريد على نفقته الخاصة. رحل عنا هذا المفكر والمناضل والصحفي الكبير في نيسان من عام 2000 في لندن ونقل جثمانه الى مدينة السليمانية حيث مسقط رأسه ليوارى الثرى.

فكره وستراتيجيته الثاقبة جعلته من أهم الشخصيات العراقية
يعد المفكر الراحل إبراهيم أحمد أهم الشخصيات العراقية من الناحية الإستراتيجية بفكره ونظرته الثاقبة البعيدة المدى لجميع الامور الحياتية والسياسية والثقافية… فكان ملماً بالقضايا العربية والعالمية ودول الجوار وكان يبدي رأيه بكل ذلك، وفي لندن كان يحضر الاجتماعات الحزبية والسياسية والأدبية لجميع شعوب المنطقة وكان يدعم الحركات التحررية في كل العالم.

