د. ژینۆ عبدالله
في رواية جورج أورويل ١٩٨٤(والمنشور في ٨ حزیران ١٩٤٩) يتخيل الكاتب أن هناك، في دولة ما، أربع وزارات تشكل الجهاز الحكومي وأن إحدى هذه الوزارات هي وزارة “الحقيقة”، وهي “تختص بشؤون الأخبار، ووسائل اللهو، والاحتفالات والتعليم، والفنون الجميلة”. أما الشخصیة الرئیسیة فیها فهو “ونستون” الذي یعمل کموظف في وزارة الحقيقة. تتجسد مهامه بمراجعة كل المطبوعات وإعادة صياغتها بما يتوافق مع ما يراه الحزب الحاكم: “فالتاريخ كله كان بمثابة لوح تم تنظيفه لإعادة النقش عليه بما تستلزمه مصلحة الحزب”.
تتمیز الروایة بالقدرة الإبداعیة لجورج أورويل المتجسدة في تصویره الدقیق لوجود عالم شمولي، مبني علی المراقبة المتطرفة لشتی جوانب حیاة المواطنین الخاضعین لهیمنة الدولة وأجهزتها المتصفة بالقمع والدعایة الموجهة لغسیل الادمغة فضلا عن هدم كل أشكال الثقة التي قد تتشكل بين الأفراد وبالتالي إیجاد أناس خاضعین غیر آبهین اوخائفین من مواجهة الواقع. ویمکن إعتبار تسمیة تلك الوزارات وأجهزتها من قبل اورویل باسماء تدعو الی السخریة مثل وزارة الحقیقة وشرطة الفکر ،والاسماء الاخری التي سینتبه الیها القراء، من أهم العلامات الفارقة التي أکسبت الروایة إشادات نقدیة عالمیة عابرة للاجیال والحدود السیاسیة والجغرافیة.
ورغم أن رواية “أورويل” ليست عبارة عن كتاب تنظیري عن ظاهرة الشمولية، إلا أنها تمکنت من إظهار جل العناصر إن لم تکن کلها الموجودة في النظريات السياسية عن الانظمة الشمولية، حتى في تلك النظريات التي ظهرت بعد كتابة الرواية.
ومن المفارقات المضحکة أن هناك من یستخدم مصصلح الأخ الکبیر في غیر محله لوصف شخصیات سیاسیة وحکومیة في العراق و کوردستان مما ینم عن جهل بالادبیات الفکریة والسیاسیة وخاصة هذه الروایة الذائعة الصیت وإن کان هٶلاء السیاسیین والمسٶولین الحکومیین فیهم صفات و سلوکیات الاخ الکبیر الذي صوره اورویل.
ختاما یمکن القول بأن فکرة (الاخ الکبیر یراقبکم) التي جسدها جورج اورويل في روايته تجسیدا عمیقا ومٶثرا کانت بمثابة رسالة تحذیریة للبشریة لما سيكون عليه العالم في ظل سلب حریة الإنسان والغلو في مراقبة خصوصياته ومحاصرته بكل أنواع المراقبة والتنصت.