د.ژینۆ عبدالله
روى الأكاديمي الكردي والعميد السابق لكلية اللغات بجامعة السليمانية ورئيس قسم اللغة العربية سابقاً والتدريسي الأستاذ الدكتور ظاهر لطيف كريم، قصة سنتين عاشها مع رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حين أشرف على رسالته الماجستير أواسط تسعينيات القرن الماضي.
ويقول الدكتور ظاهر لطيف كريم للمسرى إن “القصة تعود لعام 1994، حينها كانت كوردستان تمرّ بظروف اقتصادية عصيبة أدت بالكثير من أساتذة الجامعات إلى ترك البلد والتوجّه نحو بلدان المهجر، كنت وقتها رئيساً لقسم اللغة العربية في جامعة صلاح الدين ورئيس لجنة الدراسات العليا في كلية الآداب بالجامعة نفسها. صادف أن زارَنا جمع من الأكاديميين العرب الشيعة بهدف دعم الكلية وقسم اللغة العربية عبر إمدادهما بالمصادر والكتب المنهجية للطلبة هذا فضلاً عن تقديم الدعم المالي للطلبة المتميزين المعوزين.
وأضاف “لقد كان من بين الضيوف (أبو إسراء المالكي) واسمه (نوري كامل حسن المالكي) المعروف حاليا باسم (نوري المالكي) الذي أصبح لاحقا رئيساً للوزراء، لقد كان طالب ماجستير في إحدى الجامعات اللبنانية، تعرفنا على بعض وتجاذبنا معا أطراف الحديث حتى نشأت بيننا علاقة مودة واحترام. أخبرني في إحدى الجلسات أنه يرغب في نقل دراسته من لبنان إلى جامعة صلاح الدين كلية الآداب قسم اللغة العربية، فقد كان يعتزّ جدّاً بالجامعات الكردستانية ويأمل جدياً في إكمال دراسته في إحداها، ولا شك أنّ الجامعة كانت ملجأ ومأوىً للعديد من الطلبة العرب.
وتابع “وبالفعل تحققت له ما أراد، فقد طلبت منه مستمسكاته الرسمية كي نباشر بعملية النقل التي لم تكن أمراً سهلاً أبداً، لاسيّما في حالة الطالب (نوري المالكي) حيث إنّه أكمل جزءاً من دراسته الماجستير في لبنان إلاّ أنّه لم يستطع مواصلة هذه الدراسة لأسباب سياسية. لقد ساعد الأخ العزيز رئيس حكومة الإقليم آنذاك السيد (كوسرت رسول على) الطالب (المالكي) للوصول إلى مبتغاه ويجب أن لا ننسى دعم عميد كلية الآداب الدكتور آزاد النقشبندي.
وعن فكرة إشرافه على رسالة الماجستير الخاصة للمالكي يقول الأستاذ الدكتور ظاهر لطيف كريم “جمعتني بالمالكي ساعات طوال من المحادثة والمؤانسة، فقد أدرك وأحسّ مبكراً بمستواي العلمي كما كان هو الآخر يتمتع بمستوى علمي جيد. لم يخف رغبته في أن أشرف على رسالته ولم أتردد بدوري في الموافقة على ذلك. اتفقنا كلانا على عنوان الرسالة ألا وهو (المفاهيم الإسلامية في شعر أبي المحاسن) الذي هو(محمد حسن أبو المحاسن) جدّ (نوري المالكي) ووزير المعارف في حكومة جعفر العسكري وهو من كبار شعراء ثورة العشرين، ولا يخفى على أحد أنّ المالكي ينحدر من أسرة متدينة وذات منزلة علمية عالية.
ويشير الدكتور ظاهر لطيف كريم إلى أنّ ديوان الشاعر (أبي المحاسن) لم يكن مطبوعاً بعد، ولكن كانت مخطوطته بحوزة المالكي والأخير ذو قدرة عالية على شرح النصوص الشعرية وكنا قد اتفقنا على أن نعطي الرسالة صبغة سياسية رغم الخلفية الدينية لأشعار أبي المحاسن، ولكن في المحصلة لم يكن بالإمكان فصل الموضوع عن عالم السياسة وتشعباتها بدليل أن القصائد كانت توحي برغبة شاعرها في مد الجسر بين الدين والسياسة بهدف تحرير العراق من الأجنبي.
وعن جهود المالكي ومثابرته خلال فترة كتابة رسالته يقول الدكتور ظاهر كريم إن “السيد المالكي يمكن تقييمه من ثلاثة أوجه رئيسة، الأول اجتماعي والثاني سياسي والثالث ثقافي. في الحقيقة كان رجلاً دمث الخلق ماجداً، وكان يتردد على الجامعة ومنزلي كشخص اعتيادي بسيط، ونخرج معا ونتمشى في الأسواق ونأكل في المطاعم الشعبية وسط السليمانية لأني كنت قد عدت من أربيل في عام 1995 إلى السليمانية والتحقت بجامعتها أستاذاً وعميداً لكلية اللغات. وكذلك الحال بالنسبة لي: كنت أزوره في منزله بسوريا ونأكل جميعا على طاولة واحدة. وإن المالكي الطالب كان ملتزما جداً ومثابراً ومجتهداً في دراسته ورسالته، فلقد تيقنت خلال المدة التي جمعتني به أنه في غاية الحرص على تطوير جامعات كردستان وأدائها وكان بمفرده حلقة وصل بيننا نحن والجامعات السورية، حيث ينظم لنا اجتماعات رفيعة مع مسؤولين سوريين كبار وعلى رأسهم وزير التعليم العالي ووزير الثقافة والعديد من السياسيين المثقفين اللامعين في تلك الدولة العربية.
ويؤكد الدكتور ظاهر كريم في حديثه مع المسرى على أن “المالكي لم يكن طالبا فحسب بل كان يعتبر نفسه صديقاً مخلصاً للشعبين العراقي والكردي. فطالما كان يردد القول: “إني بيشمركه الكرد والعراق” وأظنه كان صادقاً فيما يقول، لأنّه كان يمتعض من هجرة العقول الكردية النيرة إلى بلدان المهجر في أوروبا وأمريكا. وقد شجعني هو والسيد كوسرت رسول كثيراً على البقاء في البلد وعدم الهجرة. وقد شعرت أنّ فيه حرصاً منقطع النظيرعلى العراق ومستقبله وكثيراً ما كان يجهر بالقول: “إن مستقبلنا نحن العراقيين مرهون بالمسألة الكردية”.
ومن الناحية السياسية كان المالكي شخصية قادرة مقتدرة على اطلاع تام بمجريات الأمور في العراق ودول الإقليم والعالم، مطلعاً على أدقّ تفاصيل القضية الكردية في البلد، تربطه علاقات وثيقة وعميقة مع أغلب السياسيين العرب والكرد. أمّا من الوجهة الثقافية، فكنت أرى أنّه كان كاتباً وأديباً ومطلعاً على عصور الأدب المختلفة وحافظاً للكثير من أشعار العصر الجاهلي. حيث أكمل دراسته على أحسن وجه، ونوقشت رسالته من قبل مجموعة من الأستاذة ومن بينهم الدكتور فؤاد معصوم الذي خلف الرئيس مام جلال في رئاسة العراق لاحقاً، وبعدما طبعت رسالته في بيروت كتب فيها المالكي عني: “هذا الكتاب هو منك وإليك ولم ير النور إلا بفضل رعايتك أقدمه لك هدية متواضعة أملي أن تنال رضاك وإعجابك وتقبل سلامي وشكري… المالكي 20-11-2000.”
وبشأن رؤيته وتوجهاته حول إقليم كردستان يؤكد الدكتور ظاهر كريم على أنّه “كنا نتفرغ بعد الأمور الدراسية والعلمية للحديث عن الشأن السياسي العراقي. أحسب أن كردستان كان موضع اهتمام بالغ وشديد لدى المالكي، وصرح في أكثر من مناسبة أن القضية الكردية تمثل مفتاح تحرر الشعب العراقي من الظلم والجور والديكتاتورية.
وسأله المسرى عن إحساسه لحظة سماعه خبر تقلد المالكي منصب رئيس الوزراء، قال الدكتور ظاهر كريم “كنت قد توقعت أن يكون للمالكي مستقبل سياسي زاهر. ومن حقّ أي معلم أن يفخر بإنجازات تلميذه. وأرجو أن يصل بقية طلبتي لما وصل إليه المالكي وأكثر.
وعن علاقات نوري المالكي بالأطراف السياسية ومدى قدرته على ضبط إيقاع العملية السياسية في العراق، أكد الأستاذ الدكتور ظاهر كريم أنّه “تولدت لدي خلال الفترة التي قضيتها معه قناعة بأنّ المالكي لديه القدره على إدارة العملية السياسية وإيجاد حالة من التوازن بين أقطابها، ومن ضمنهم القادة الكرد لما يمتلكه من حنكة دبلوماسية تساعده للنهوض بتلك المهمة وإدارتها على نحو جيد، تلك الحنكة تجسدت أمامي ونحن أنا وهو نزور سوريا ولبنان ونلتقي بالشخصيات السياسية العراقية والكردية. في واقع الأمر كنت على تواصل وثيق مع المالكي حتى عام 2003 ،ومنذ سقوط النظام الصدامي وتسنمه مهام رئاسة مجلس الوزراء العراقي، أرسلت له وبأيادي آمنة، كما أعتقد، ثلاث رسائل خطية إلاّ أنّه لم يرد ولم يتصل بي، وفي حال عدم تلقي أو إيصال تلك الرسائل، الأجدر أن يسأل عن أستاذه ومشرفه والسبب في أغلب الظنّ يعود إلى انشغاله بالحياة الحزبية والسياسية والإدارية أو أنه يفضل عدم التواصل، بل يرغب في قطع العلاقة.