سوران علي
مرة أخرى تعود معضلة تشكيل الحكومة في العراق عقب الانتخابات إلى الواجهة والسؤال الأبرز يدور حول نوعها والأسس التي سترتكز عليها، والشكل الأنسب لحكومة تتعدد فيها الأحزاب والتوجهات وتمثل مكونات وطوائف وقوميات مختلفة؟ فعند تشكيل الحكومات الأربعة السابقة لم يكن في مقدور القوى السياسية تجاوز مبدأ التوافق الذي جُبِلوا عليه لأسباب موضوعية وسياسية وأمنية، أما الآن فقد يكون الوضع مختلفا بعض الشيء وأكثر تهيؤا لتقسيمات جديدة، فلا وفاق متين باق عند المكونات كما كان في السابق، ولا ثقة متبادلة ما بين الأطراف السياسية وحتى التي تنتمي لمكون معين، إذ تعاني الأحزاب الشيعية من خلافات حادة تكاد تؤدي بها إلى قطيعة وصدامات، كما تفتقد الأطراف الكوردية إلى وحدة الخطاب وبرنامج موحد يجمعها، والقوى السنية كذلك ليست بأفضل حال من الشيعة والكورد.
إذن فالصراعات السياسية توسعت وأخذت طابعا آخر وتعدت الخط المكوني الطائفي لتشمل علاقات أحزاب وقوى كانت متحالفة سابقا ضمن ائتلاف مذهبي أو قومي واحد، وبالتالي فإن قامة الوئام والتصالح والاتفاق فيما بينها أصبح صعب المنال هو الآخر ولا يسهل تحقيقه.
وبالعودة إلى الوارء لمرحلة تشكيل الحكومة في ويلاية السيد حيدر العبادي عام 2014 فعلى الرغم من أن الشيعة كانوا شبه متفقين فيما بيهم، إلا أنهم لم ينتظروا حتى يحسم الكورد أمرهم ويتخذوا قرارا بشأن رئيس مجلس الوزراء، وسرعان ما شكل الشيعة الحكومة، ولكن ذلك لم يخل بالتوافق الضمني الذي سار عليه تشكيل الحكومات المتعاقبة وتوزيع المناصب السيادية والوزارات فيما بين الاطراف منذ 2003 فأخذ الكل نصيبه حتى أنه كان هناك من يستغني عن مستحقه مقابل حفنة من الدولارات، ولكن الأمر هذه المرة يختلف فهناك أصوات تنادي وبقوة باعتماد الأغلبية في عملية تشكيل الحكومة وترك التوافق تخلصا من تلك الهفوات، وهم يبررون دعوتهم هذا بفشل التوافق وعدم قدرة الحكومات المشكلة على أساسه من تلبية المطالب الملقاة على عاتقها وتحقيق المستوى المرجو من الطموح، وكذلك التوجس من محاسبة مسؤولي الدولة المتورطين في قضايا فساد وسوء استخدام السلطة مراعاة لكتلهم المشاركة في الحكم، وهذا التوجه يجد في المقابل من يدعو للتمسك بالتوافق والشراكة على أسس القومية والطائفية والمذهبية الدينية تفاديا للصادم وترضية للمكونات والأطراف جميعا وإدامة الوضع كما كان.
وما بين الوجهتين بون شاسع قد يستغرق التقريب بينهما الكثير من الوقت والجهد وكل ذلك سينعكس سلبا على عملية تشكيل الحكومة القادمة بعدما تفاءل العراقيون هذه المرة خيرا بانتخابات مختلفة تغير شيئا من واقعهم السياسي والخدمي والإداري البائس، وإلى أن يجد الطرفان نقاط التقاء مشتركة سيظل المواطن يعاني من عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي والمعيشي لفترة لا أحد يستطيع التكهن بمدتها.
رغم ضبابية المشهد وانقسام واضح في الرؤى والتطلعات، سبقت الأحزاب والكتل الفائزة والخاسرة على سواء إعلان النتائج النهائية الرسمية المصادق عليها من قبل المحكمة الاتحادية ورئاسة الجمهورية وبدأت مفاوضات تشكيل حكومة مبهمة المعالم حتى الآن أملا في الحصول على جزء من كعكتها التي لا يعرف حتى الآن هل سينال الجميع حصصهم فيها أو سيحصد أجزاءها عدد من الكتل وتُحرم منها الآخرون، ويظل المواطن منتظرا الفرج.
نقلا عن إيلاف