الكاتب.. نوزاد حسن
تنامت في حياتنا بعد سقوط النظام السابق ظاهرتان هما: كثرة الفضائيات، وظهور محللين سياسيين يلبون حاجة تلك الفضائيات بشكل شبه يومي.
هل أقول إن حديث الشخص في شأن بلده هو نوع من التخصص الذي لم نكن نفكر فيه قبل التغيير. لكن بعد ذلك بات ضروريا استضافة أشخاص يتحدثون في قضايا عامة تتعلق بالسياسة، وفي أغلب الاحيان تبدأ حوارات المتحدثين بالصياح والصراخ والشتائم، وترك الاستوديو، كما أن تلك الحوارات لا تخلو من جو مرح تعلو فيه ضحكات الضيوف بقهقهة عالية لا تتناسب مع طبيعة أي برنامج سياسي. ونحن نعرف جميعا حجم التحديات التي تواجه البلد. وعلى الرغم من أن أي متحدث في أي مجال يستطيع أن يقدم إحصائيات صادمة عن أعداد البطالة، أو الأمية أو عمالة الأطفال، أو التهرب من الدراسة إلى آخر مشكلاتنا، ناهيك عن خلافات السياسة، التي تفرض نفسها بقوة على عملية تشريع القوانين. كل هذا يجعل من مزاج أي مشاهد لمثل تلك البرامج مزاجا رماديا وحزينا. لست متابعا فحلا لبرامج السياسة، أنا في الحقيقة مشاهد غير محترف، لأي برنامج سياسي يضم مجموعة من الضيوف القادرين على تكرار وإعادة ما يقولون دون ملل.
أظن أن أي ضيف مع استثناء قلة قليلة يفكر بانه سيقول ما لا يعرفه أحد. هذا الظهور الذي يكاد يكون منظما يترك في أغلب الضيوف إحساسا قويا بالنجومية، لكن نجومية هذا المحلل أو ذاك مركزة جدا، فحتى الممثل السينمائي يتعامل مع أطراف مختلفة، كالمنتج وكاتب السيناريو والمخرج والممثلين الآخرين، وهذا يعني علاقة متعددة الأطراف. اما المحلل السياسي فهو كلّ في واحد. أنه نسيج وحده. وحين يطل علينا من هذه الفضائية أو تلك فإنه يزداد تألقا، لأنه سيقول كلمته الفصل في قضايا الوطن.
لكن ما الذي افتقده في كثير من حوارات السياسة عندنا؟
ما الذي أبحث عنه وأنا اشاهد ضيوفا يتحدثون عن قضايا مصيرية ببرود واضح، ومتعة لا أجدها مبررة إطلاقا. أنا أبحث حين استمع لمحلل سياسي عن ذلك الحزن الذي يملأ صوته، وملامحه، ولغته. لا قل ابحث عن حزن فيه رائحة الوطن بامتياز لا رائحة المتعة والنجومية المزيفة. ابحث عن أقصر طريق لنقد أخطاء اي مسؤول، واكره اللف والدوران ولعبة التبريرات المضحكة، والمواعيد التي لن تتحقق مع مرور السنوات. أريد أن أرى ذلك الهم الوطني العام الذي يشغل أفقر الناس، ويحولهم إلى كائنات خائفة من الغد. هذا الهم الوطني هو يقظة أخلاقية لا بد منها. ولحظة صدق تميز الانسان عن غيره من الكائنات.
المصدر .. صحيفة الصباج