بحلول العيد الكبير “الكرصة”، كما يسمى باللغة الآرامية في شهر تموز من كل عام ، حيث يغلق الصابئة أبوابهم مع مغيب الشمس ولمدة 36 ساعة، إذ يدخلون بعزلة تامة عن العالم الخارجي.
الساعة هذه بداية العيد الذي يمتد لسبعة أيام، وتفرض شروطه على أبناء المكوِّن من صغيرهم إلى كبيرهم دون استثناء، وتتمثل بمنع أي تواصل مع العالم الخارجي ومنعهم من استخدام الماء الجاري، ما يدفعهم إلى ملء الأواني بالمياه لغرض استخدامها خلال مدة وجودهم في المنازل.
يؤكد رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم الشيخ ستار جبار الحلو، أن “هذا العيد هو بداية تأسيس العالم المادي وأيضاً بداية السنة المندائية”.
ويقول في حديثه ،” في هذا العيد تكونت النجوم والكواكب السبعة، وفيه أيضا زرعت الأسرار التي انبثقت منها العوالم كافة”، مشيرا الى أن ” مدة هذا العيد هي سبعة ايام، وتكون منها يوم 36 ساعة اعتكاف في المنازل”.
يذكر أن التعميد يعد من أهم ركائز الديانة المندائية، ويشتمل هذا الطقس على نزول الشخص للماء الجاري، برفقة رجل دين، وقراءة آيات من كتاب “الكنزا ربا” المقدس، ويتم ذلك بملابس بيض خاصة تسمى “الرستة”، وهذا الزي الخاص بالتعميد، يرتديه النساء والرجال والأطفال. فيما تتجه أغلب العوائل المندائية إلى التعميد رجالا ونساء وأطفالا، مع توزيع الوجبات الغذائية (ثواب) وإهدائها إلى أرواح الموتى، نظرا إلى أن التعميد فرض في الديانة المندائية على كل إنسان منذ ولادته.
تبين طقوسهم أن للصابئة 4 أعياد رئيسة ومناسبات عدة أخرى، الأول هو عيد الخليقة (البرونايا) وفيه خلق الخالق عوالم النور العليا، ويستمر لمدة 5 أيام، والثاني هو عيد التعميد الذهبي، في ذكرى الولادة الروحية لنبيهم يحيى بن زكريا، بالإضافة إلى العيد الكبير الذي يصادف في شهر تموز ويستمر 7 أيام، وهو بداية الخلق، وفيه بدأت الدقائق والساعات والأيام، والأخير عيد الازدهار، وهو العيد الصغير، ففيه قام الحي العظيم بخلق الأزهار والأثمار والطيور والحيوانات، وبالإضافة إلى هذا خلق آدم وحواء، وهذا العيد يعتبر بداية نشوء الخلق، وفقا لعقائدهم. حسب رواياتهم الدينية
جنوب العراق يوصف بموطن الصابئة منذ آلاف السنين، إذ تمركزوا قرب الأنهار والأهوار، لارتباط طقوسهم الدينية بالماء، لكن اليوم يندر تواجدهم هناك بعد هجرة أغلبهم موطنهم الأصلي، والاستقرار في بلدان اللجوء أو مناطق أكثر أمنا في إقليم كردستان.
واجه الصابئة بعد 2003، الكثير من التحديات التي هددت بقاءهم كأحد أبرز الأقليات الدينية في بلاد الرافدين، بينها القتل والسلب، لكونهم يعملون في صياغة الذهب، ما عرضهم إلى السرقة والاختطاف بشكل مباشر ومستمر، وهذا الأمر أدى إلى هجرة شبه جماعية باتجاه الغرب.
أوضح الشيخ نظام كريدي، وهو أحد رجال الدين في الطائفة، أن ” هذا العيد هو من أهم الأعياد بالنسبة للصابئة المندائيين كونه بداية السنة ويعد التعميد من أبرز طقوسه” ، ويتابع ، “بالنسبة لموضوع الهجرة فبالنسبة لنا لا نؤمن بها، لأن العراق هو بلدنا الأم وبلد الحضارات وبداية الخلق كانت فيه”.
وتمكن أبناء الطائفة من تثبيت وجودهم في دول مثل السويد وألمانيا وأستراليا وأميركا، وهناك بنوا معابدهم “المندي” وحصلوا على رخصة رسمية لممارسة طقوسهم وتلبية كافة احتياجاتهم من قبل تلك الدول.