كتبها: ياسين غالب
منذ أسابيع، يتعرض المجلس المركزي لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق لسيل من الاتهامات المتعلقة بالشفافية والفساد واحتكار المنافع. ومع تصاعد الانتقادات، زار عارف الساعدي، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية، الاتحاد وحضر جلسة “مغلقة”، في محاولة لتهدئة الأجواء. كما زار محمد حسين آل ياسين، رئيس المجمع العلمي العراقي، الاتحاد وأطلق تصريحات لاذعة بحق منتقدي الاتحاد، مشبهًا الأدباء بالكلاب النابحة، وذلك بحضور الأمين العام للاتحاد وجمع من الأدباء الذين أيدوه بحماس.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يعيش المثقف العراقي في عام 2024 بالفعل؟ يبدو هذا السؤال الافتراضي غريبًا وربما بلا إجابة محددة. فعلى الصعيد الجسدي، يعيش العراقي، سواء كان مثقفًا أم مستهلكًا للثقافة، في زمنه الحالي. أما على مستوى الوعي والسلوك والمنتج، فيبدو أن المثقف العراقي قد علق هناك في بدايات خمسينيات القرن الماضي.
حالة الشعر العراقي: الكم يغلب النوع
إذا نظرنا إلى الإنتاج الشعري كمثال، سنصدم بكمية الدواوين التي تصدر كل شهر، والتي غالبًا ما تكون مدبجة بخواطر وأفكار تصلح للدردشات على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من أن تكون أعمالًا أدبية تستحق التوثيق. هذه الأعمال تفتقر إلى الروابط والمعاني العميقة، وتشبه في شكلها صور البطاقات البريدية البراقة التي تخدم غرضًا تسويقيًا مؤقتًا، ولكنها ليست أعمالًا فنية خالدة.
الشعراء والكتاب في العراق يميلون إلى تضخيم كل ما يقع تحت أيديهم، ويضفون صبغة من القدسية على أعمال بسيطة وأحيانًا تافهة، ليتم قولبتها كمادة عظيمة. هذا التضخيم يشمل أيضًا الاعتبار المبالغ فيه للشعراء المسنين الذين مارسوا الكتابة طوال حياتهم، حتى وإن كانت مساهماتهم لا تحمل قيمة حقيقية.
احتكار المناصب والعلاقات السياسية
من الأمثلة الصارخة على ذلك، الشاعر محمد حسين آل ياسين الذي استغل علاقاته برجال الدين والدولة يحتكر مناصب رفيعة مثل رئيس المجمع العلمي العراقي ودار الحكمة. كتبه مليئة بمدح كل من مر به أو مروا به. الزمن والسياسة، وليس المحتوى والإبداع، هما من يحدد من يمكنه العيش بسلام في هذا المجال، ومن يجب أن يتم إقصاؤه معنويًا.
وهنا المفارقة الكبرى والثلمة الأخلاقية العراقية وأقصد هنا التسقيط بتهمة يتشاركها الجميع وهي مدح الرئيس العراقي السابق صدام
حسين. فمع عبد الرزاق عبد الواحد تصبح جريمة، ومع آخرين تصبح هفوة، وقا الله الشعراء شرها. أي
نفاق هذا؟ ومن يثق بعد اليوم بأي منجز ثقافي عراقي؟
العنف اللفظي والتخوين
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تصاعد إلى مستويات جديدة من العنف السياسي واللفظي. شتائم وتهديدات باستخدام أمثلة رديئة من محاكم العسكر” محكمة المهداوي ” في العصر الجمهوري، وشتم الأدباء بوصفهم “كلاب تنبح بينما يسير هو بقافلته”. هذه اللغة العنيفة والبدائية تعكس نفسًا شوفينيًا ورائحة عسكرة ودكتاتورية تملأ المشهد. تبدو لي الشتيمة هذه كصورة بدوية غاية في الدلالات السيميولوجية، دالة على التخلف وقانون القبيلة الذي يبيح ذبح ” الكلاب ” أو الأعداء.
البيئة الثقافية الخانقة

