المسرى :
تقرير : وفاء غانم
في خطوة كان من المفترض أن تنهض بالواقع الخدمي ومعالجة أزمة السكن التي يعاني منها العراقيون على مدى عقود عن طريق انشاء مشاريع سكنية مابين متوسطة وضخمة. لكن الفساد المستشري في البلد تسبب في ضرر كبير لقطاع مشاريع الإسكان، وفاقم من أزمة العقارات في العراق , يأتي ذلك في الوقت الذي يؤكد فيه مسؤولون حكوميون وبرلمانيون أن البلاد تحتاج إلى 3 ملايين وحدة سكنية لمواجهة أزمة السكن, وسط تحديات كبيرة تواجهها الحكومة في محاسبة المتورطين بجرائم الفساد.
هدر بالمليارات على مشاريع متلكئة ووهمية
قال رئيس لجنة الخدمات والإعمار النيابية وليد السهلاني في تصريح صحفي في وقت سابق إن “هناك مشاريع عملاقة متلكئة تصل قيمتها الى ملايين الدولارات، ماتسبب بشلل في الوضع الخدمي مع وجود نسبة من عدم الإنجاز”. مضيفا أن “الفساد وراء تلكؤ المشاريع بشكل عام، على مستوى قطاع الخدمات الصحية أو مشاريع الماء التي أحيلت خلال السنوات الماضية”، مشيراً الى أن “الفساد يكمن بطبيعة إحالة المشاريع للشركات ومدى قدرة تلكم الشركات على انجاز العمل، إضافة الى سوء التخطيط في انشاء المشاريع، وعدم توفير الغطاء المالي الذي يتسبب بهدر بالمال العام”.
قصة المشاريع الوهمية والمتلكئة، بدأت حكايتها منذ عام 2003
الى ذلك أكد النائب الفني لمحافظ ديالى محمد قتيبة البياتي وجود أكثر من 20 مشروعا استراتيجيا واستثماريا متوقفة ومتلكئة بسبب الفسادوالتي تقدر الكلفة الاجمالية لها تتجاوز 500 مليار دينار عراق ، مشيرا الى أن ميزانية ديالى لعام 2021 بلغت 200 مليار دينار. من جانبه، اشارعضو اللجنة المالية النيابية ثامر ذيبان إلى أن العراق كان من المفترض أن يشهد بعد عام 2005 ثورة عمرانية كبيرة في المجالات كافة لوجود موازنات وصفها بـ”الانفجارية”، إلا أنه أكد أن هذه الموازنات ذهبت للفاسدين عن طريق المشاريع الوهمية التي أصبحت من أخطر أبواب الفساد في البلاد، وبالتالي أدى كل ذلك إلى تراجع الخدمات العامة بشكل كبير. أما وزارة التخطيط فقد كشفت في تقارير دورية لها وجود أكثر من 6 آلاف مشروع معطل، فضلًا عن المشاريع الحكومية التي تقدر جهات أن عددها يصل إلى نحو 9 آلاف مشروع لا تزال حبرًا على ورق. بينما كشفت هيئة الاستثمار الوطنية، في (14 آذار 2021)، عن وجود 1770 مشروعاً “وهمياً” ومتلكئاً في عموم العراق.
ولفتت إلى أن “من بين هذه الاجازات يوجد 970 مشروعا نسبة الانجاز فيه صفرا وتعتبر وهمية، اضافة الى 800 مشروع متلكئ تتفاوت نسب الانجاز فيها، ولكن لم تنجز”، موضحة أن “عدد المشاريع المنجزة هي 500 مشروع فقط.
ارقام مرعبة تلك التي يكشفها المسؤولون العراقيون والجهات المعنية لقيمة المشاريع الوهمية التي لم تنفذ، إذ تصل قيمة المشاريع الوهمية التي أُعلن عنها ورصدت مبالغها فعليًا من خزينة الدولة إلى نحو 300 مليار دولار، وكانت هذه الأموال مخصصة لبناء المستشفيات والمدارس والطرق والجسور والمراكز الترفيهية والمنتجعات السياحية وغيرها.
تشريع قانون الاستثمار العراقي رقم 13 لسنة 2006 الذي نص على تهيئة بيئة ملائمة للمستثمرين العراقيين والأجانب.
مشاريع دون جدوى
وبالإضافة الى هدر المال العام عند المشاريع المتلكئة أو الوهمية، هناك آلاف المشاريع التي نفذت على أرض الواقع لم تكن ذات جدوى وأنفقت الدولة عليها ملايين الدولارات دون أثر واضح .
الوحدات السكنية مرتفعة الأسعار والمواطن العادي لا يستطيع الحصول عليها لأنها محصورة بالمشاريع الاستثمارية الباهضة الثمن التي لا تتناسب مع دخله.
مشاريع ترقيعية وللزينة
ويرى مختصون أن الواقع الخدمي في الموصل والأنبار والمحافظات الاخرى سيئ للغاية بسبب المشاريع الترقيعية و( للزينة ) ولا جدوة منها ، فما جرى من إعمار لأحياء ومناطق مدينة الرمادي لا يتعدى رصف الأرصفة وتعبيد الطرق من دون أي تخطيط، وأن مثل هذه المشاريع تعد من أكثر المشاريع الرائجة في جميع المحافظات العراقية، إذ إنها سيئة التنفيذ وتتطلب صيانة مستمرة، وبالتالي فالأموال التي تصرف عليها باهظة جدًا .
دعوات لايجاد حلول جذرية
من جهته دعا رئيس هيأة النزاهة القاضي علاء جواد الساعدي، إلى دعـم جهـود الإعـمار والبـناء وإيجاد حلول للمشاريع المتلكئة.
وذكر بيان للهيأة أن”القاضي الساعدي”، شدد على ضرورة أن تكون جهود الهيأة داعمةً لعمليات إعادة الإعمار والبناء، وإيجاد الحلول الناجعة للمشاريع المُتلكئة، والمُساهمة الفاعلة في إزالة العقبات التي تحول دون أن يحظى المُواطن بخدمات هذه المشاريع، لاسيما الكبيرة والمُهمة منها.
النائب في البرلمان علي البديري قال ، إن “مشاريع السكن تتصدر المرتبة الأولى بانتشار الفساد فيها من بين قطاعات البلاد الأخرى، وكثرة العشوائيات تدل على ذلك”. وفي سياق متصل قال رئيس لجنة الخدمات والإعمار البرلمانية وليد السهلاني إن “اللجنة طالبت مراراً وتكراراً الجهات التنفيذية القطاعية كوزارة البلديات ورئيس الوزراء بتوزيع أراضٍ مخدومة لجميع المواطنين”، مشيراً إلى أن “هناك إمكانية لشمول شرائح معينة بالأراضي، وأن تكون مخدومة من خلال مطور تعتمده تلك الدوائر، وتتم إضافة مبلغ معين إلى المبلغ الذي يدفعه المواطن.
وبدأت الحكومة تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة “الرفيل” بمساحة تبلغ 106 آلاف دونم، ضمن المنطقة المحيطة بمطار بغداد الدولي، وذلك في ظل التقارير الواردة عن ارتفاع مخيف في نسب سكان البلاد. المشروع سينفذ على 4 مراحل، تتضمن المرحلة الأولى فيه إنشاء مجمعات (سكنية، تعليمية، تجارية، طبية، خدمية، وترفيهية) تنفذ على مساحة 16 ألف دونم تسهم بتوفير 75 ألف وحدة سكنية، وما يلبي حاجة نحو 300 ألف نسمة للسكن بما يتناسب مع التصاميم المقترحة من قبل الشركة الأميركية وعرضها كفرص استثمارية وإعداد مخططات تفصيلية لكل فرصة تتضمن نوع وطبيعة المشروع ومساحته واستخداماته مع مراعاة توفير خدمات البنى التحتية والمحددات البيئية وفق تصاميم ومعايير الجهات القطاعية المختصة.
يرى خبراء اقتصاديون أن إنشاء العاصمة الإدارية سيخلّص بغداد من الفوضى الحاصلة فيها حالياً نتيجة هجرة الملايين إليها بعد عام 2003 من محافظات مختلفة وبروز نحو 1000 مجمّع عشوائي داخل العاصمة، يعيش فيها أكثر من 3 ملايين شخص.مضيفين أنه “يجب إبعاد الفساد والمفسدين عن مثل تلك المشاريع، فشبح التوقف، يخيم على كل المشروعات، ما يحتم على الجهات الرقابية، مثل مجلس النواب، وهيئة النزاهة، التأهب دوماً، ومتابعة تنفيذ تلك هذه المشاريع، لما تمثله للبلاد من إنهاء أزماته السكانية”, فيما اثار هذا المشروع جدلا سياسيا وغضبا في الاوساط الشعبية
وشهدت العاصمة العراقية بغداد ومدن أخرى ارتفاعا قياسيا في أسعار العقارات والأراضي السكنية، إذ سجلت أحياء وسط بغداد أرقاما غير مسبوقة بلغت 4 آلاف دولار للمتر الواحد بالنسبة للمنازل، وأكثر من ألف دولار للمتر بالنسبة للشقق السكنية، في وقت سجلت أطراف العاصمة أرقاما أقل من ذلك، بينما تشهد المحافظات ارتفاعا كبيرا أيضا في العقارات بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء ووقف الحكومة توزيع الأراضي السكنية على المواطنين منذ ما يزيد عن عامين.