المسرى … تقرير: فؤاد عبد الله
يعتمد سير الديمقراطية في أي بلد على التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون والحكم الرشيد، وما بعد 2003 من تاريخ العراق، شهدت البلاد ولادة عدد غير قليل من الاحزاب السياسية الجديدة انشق بعضها من أحزاب قد تكون عريقة أو كبيرة، بهدف تقديم مشروع سياسي مغاير للأحزاب التقليدية أو التي انشقت عنها.
ولادة غير موفقة
ولكن يبدو أن العراق لم يكن موفقاً في ولادة كل ذلك الكم الهائل من الأحزاب، وفي تحقيق حلم بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، بالإضافة إلى أن برامجها لم تكن ترتقي لبناء دولة وإنما تعمل على بناء سلطة، أو تجارة أو مشاريع خدمة لمصالحها الضيقة دون الجماهير العريضة.
أحزاب هيكلية وليست جماهيرية
استاذ العلوم السياسية بجامعة الكوفة الدكتور أياد العنبر تحدث لـ( المسرى) في هذا السياق قائلاً:”من الخطأ تسمية أغلب الأحزاب الموجودة الآن على الساحة السياسية العراقية، بالحزب السياسي، لأنه لا ينطبق عليها الوصف العلمي الدقيق لذلك المفهوم، إذ غالباً ما يكونون تجمعات لرمزيات عائلية أو الشخصنة أكثر مما هي أحزاب”، مبيناً أن ” هؤلاء يوصفون في مفاهيم العلوم السياسية بانهم أحزاب هيكلية وليست جماهيرية، لاعتمادها بالدرجة الأولى على رأس الشخص الأول القائد للحزب”.
تعددية في غير محلها
وأوضح أن “التعددية الموجودة الآن في العراق لا تعبر عن تعددية اجتماعية ولا ثقافية ولا آيدولوجية، وإنما جمعتها في السابق ما يسمى بالمعارضة للنظام البائد، بمعنى وجود شخصيات أو رموز عملت على مناهضة النظام السابق، حاملة شعار التغيير، ولا ننسَ أيضا التقسيمات المكوناتية والإثنية وغيرها، أي أنها ليست أحزاب بالمعنى الحقيقي للكلمة”، لافتاً إلى أن “الأحزاب التقليدية الموجودة الآن، هي من تسيطر على موارد الدولة، ولديها زبائن معينة تعتمد عليها في الوصول إلى الانتخابات، ولكن في المقابل المواطن العادي يعرف في قرارة نفسه أن الانتخابات لا تغير من الواقع السياسي في شيء، لذلك يعزف عن المشاركة”.
أحزاب مهيمنة
وأكد أن الانتخابات أصبحت منافسة بين تلك الأحزاب التقليدية التي تهيمن على السلطة وتريد تجديد بقائها في السلطة فقط، لذا فإن المواطن العادي خبر أن تلك الأحزاب، وايقن أنه ليس جعبتها شيء جديد تقدمه للمواطن والمجتمع، وحتى الأحزاب الجديدة التي تتشكل قد يكون لها حضور فاعل على الساحة ونموذج جديد، ولكن لن تستطيع أن تخرج خارج إطار منظمومة السلطة التقليدية، أو لم تتمكن من إثبات موقف واضح وصريح من مسألة كسر احتكار تلك المنظومة للسلطة، وبالتالي تبقى الغلبة لأحزاب السلطة التقليدية”.
السياسيون شوهوا الأنظمة الديمقراطية
كما ويرى منسق شبكة الهدف للتحليل السياسي حسين الكناني أنه كان من المفترض أن تنهض التجربة الديمقراطية في العراق ما بعد 2003، لأننا شهدنا لأول مرة تشكيل برلمان وحكومة منتخبة، وينهض معها الواقع الحزبي للدولة العراقية، يرافقها إنشاء دولة مؤسسات، وتعويض الواقع السيء للمواطن في ظل الدكتاتورية والقمع لعدة عقود، ولكن تشويه السياسيين لذلك المنهاج، حرف الكثير من الأنظمة لمصلحتهم الفئوية والحزبية والشخصية، وبالتالي التشريع لأعراف سياسية بعيدة عن اللعبة الديمقراطية وصناديق الاقتراع”، مشيراً إلى أن “العملية الانتخابية والاحتكام إلى المقترعين قد انحرفت أيضا عن مسارها الطبيعي، لتسيطر عليها عمليات التزوير بشكل واضح، وكلها لمصلحة وهيمنة الأحزاب الكبيرة على المقاعد النيابية”.
شخصيات دكتاتورية
وأضاف الكناني لـ( المسرى) أن ” الأحزاب المهيمنة وخلال الدورات السابقة قد أسست لنظام سياسي مشوه، أضف إلى ذلك أن النظام لا مشكلة فيه، وإنما الشخوص الذين سيطروا على النظام السياسي بعد 2003، وقد لا يختلف الكثير منهم عن الأنظمة الدكتاتورية السابقة، بسبب قدرتهم وسلطتهم على الحصول على بعض المناصب لمصلحتهم الشخصية”، مستدركا أن من أحد أسباب عزوف المواطنين عن الذهاب للتصويت، هو الإحباط الكبير للمصوتين من هيمنة تلك الأحزاب على صناديق الاقتراع، مع ضعف حظوظ المرشحين المستقلين للفوز، لذا نرى في كل دورة انتخابية صعود الضعفاء أو الفاسدين غير القادرين على الإصلاح”.
أحزاب السلطة
وتشير المصادر إلى أن عدد الأحزاب في العراق ما بعد 2003 وصل إلى أكثر من 300 حزب وحركة، ولكن لا تصل جميعها إلى السلطة أو لا تشارك في الانتخابات، وأن عدد الأحزاب الموجودة في السلطة لا تتعدى العشرة أحزاب، والباقي فقط أسماء وإعلام.