المسرى :
تقرير : كديانو عليكو
يتكون العراق من عرقيات وديانات متعددة، ويتعرّض هذا التنوع الثقافي الغني لتهديد التهجير أو التطهير العرقي منذ القدم.
التنوّع قيمة جمالية مضافة للعراق، الذي يتألف من تركيبةٍ سكانيةٍ متعددة الأعراق والأديان، تلتقي على رقعة جغرافية واحدة، بحيث أعطى الدستور في المادة 43 الحرية لأتباع كل مذهب لممارسة شعائرهم الدينية، وأنّ الدولة تتكفل بحريّة العبادة وحماية أماكنها.
ومن اهم الديانات في العراق، (الاسلام، البهائية، المسيحية، الملحدية، الايزيدية، المندائية).
ما هي البهائية التي لم يعترف بها سوى العهد الملكي؟
البهائيون من الأقليات الدينية الصغرى في العراق فهم ينحدرون من أديان مختلفة وخلفيات وأعراق متنوعة وينتشرون في مختلف مدن وقرى العراق من الشمال حتى الجنوب. وبسبب غياب الاعتراف الرسمي بهم وبمؤسساتهم، لا يوجد إحصاء دقيق لعدد البهائيين في العراق ومناطقهم، إلا أن عدددهم يقدر بعدة آلاف تنتشر في المناطق المختلفة للبلاد.
تنتشر البهائية اليوم في أرجاء العالم، فهناك ما يزيد على الخمسة ملايين بهائي في العالم، يقيمون في أكثر من مائتين وخمسة وثلاثين بلداً، وهم يمثلون أصولاً دينية مختلفة، وينتمون إلى أجناس وأعراق وشعوب وقبائل وجنسيات متعددة.
طائفة سرية
تحولت البهائية في العراق من طائفة معترف بها قانونيا في فترة الحكم الملكي، إلى جماعة منبوذة إبان الفترة التي حكم فيها حزب البعث البلاد منذ عام 1968 وحتى عام 2003، ثم إلى ما يشبه بطائفة سرية بعد ذلك.
والبهائية أقلية لا تعترف بها الدولة العراقية على الرغم من أن الدستور كفل حرية الأديان والمعتقدات للجميع، وسمح بالمشاركة في العمل السياسي وأن كل العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات.
مؤسس البهائية
البهائيون كان لهم بيت للعبادة في جانب الكرخ من العاصمة بغداد، يعرف (ببيت حضرة بهاء الله) -بهاء الله هو مؤسس البهائية- تم هدمه في زمن نظام صدام حسين، ويعد هذا البيت عند البهائيين من أقدس الأماكن، كما كان لهم مقر في شارع النضال وسط بغداد يعرف بحظيرة القدس للبهائيين، حوّله النظام السابق إلى مركز يرتبط بجهاز المخابرات بعد مصادرته.
والعراق بالنسبة للديانة البهائية، هو مكان يحظى بقدسية عالية، لأن نبي الديانة بهاء الله أعلن دعوى نبوته من بغداد التي عاش فيها نحو 10 سنين من 1853 إلى 1863، فكان العراق مركزا للبهائية قبل أن يُنفى “نبيها” إلى إسطنبول، لكن طوال مدة وجود بهاء الله في العراق لم تعلن البهائية عن نفسها بهذا الاسم.
اول محفل روحاني بهائي
ويعود تأسيس أول محفل محلي روحاني بهائي في العراق إلى سنة 1919، ويضم العراق بعض أهم المراكز المقدسة لدى الديانة البهائية، فإلى جانب بيت بهاء الله، هناك أيضا حديقة الرضوان وهي المكان الذي أعلن فيه بهاء دعوته العلنية. ولم يعد للبيت أو الحديقة وجود في الوقت الحالي.
لا علماء دين
ويمارس البهائيون طقوسهم في البيوت أو في مراكز بهائية عامة في ما ندر، ولا علماء دين لدى البهائيين، أما دور عبادتهم فتعرف بـ(مشارق الأذكار) لكنها غير موجودة إلا في دول قليلة حول العالم.
وتتألف السنة في التقويم البهائي من 19 شهرا، والشهر 19 يوما، سميت بحسب أسماء الله الحسنى، يضاف إليها أيام “الهاء” وتعد هذه الأيام بمثابة أيام فرح وتقام فيها الولائم ويتبرع فيها البهائيون للفقراء.
وعندهم شهر للصوم، يسمّى شهر العلاء، مع نهاية أيام الهاء 2 مارس/آذار وينتهي بعيد نّيروز 21 مارس/آذار، وهو رأس السنة البهائية، ويوم الاعتدال الربيعي.
ويمتاز البهائيون بنظرتهم المتفائلة للحياة، وعندهم ان جوهر الديانة يكمن بعد الاعتراف بالله الواحد لدى كل المتعبدين، في ان الدين عند الخالق هو واحد ايضا ولو كانت الشرائع مختلفة في الزمان والمكان، ويقول البهائيون ان (سكان كوكب الارض هم عائلة انسانية واحدة) ويؤمنون (بحق ان البشرية تستطيع ان تصنع السلام بتآخيها، وان لا دولة وحدها او ديانة وحدها قادرة على اقامة السلام العادل الذي هو قادم ان شاء الله). ومن السمات الايجابية للديانة البهائية ان (اتباعها ينظرون الى الجانب المشرق من الحياة) وهي تدعو الى (الذهاب الى الخصائص الايجابية لكل شيء) .
مراحل عديدة
مرت البهائية بمراحل عدة لحين اكتمالها كديانة واضحة المعالم. كانت بدايتها على يد الباب الذي بشر بظهور الديانة البهائية. ففي بداية القرن التاسع عشر انتشرت في العالم الاسلامي موجة من التوقعات بظهور “صاحب الزمان”، وبأن عصراً روحياً جديداً سيبدأ تحقيقاً للنبوءات التي جاءت في بعض المذاهب والعقائد الإسلامية ومنها الشيخية.
وحدة الجنس البشري
يقصد بها أن أفراد الجنس البشري هم من أصل مميز واحد، ومن وحدة عضوية متكاملة. وأن الإنسان “أشرف المخلوقات” وأرقى شكل من أشكال الحياة، لأنه الوحيد من بين المخلوقات الذي يستطيع أن يدرك وجود الخالق ويتصل به روحيا.
كما أن وحدة الجنس البشري تعني أيضاً أن لجميع البشر مواهب وقدرات إلهية معطاة، وأن الاختلافات الجسمانية مثل لون الإنسان وتركيبة شعره هي أمور ثانوية وليس لها علاقة بامتياز أو أفضلية أية مجموعة عرقية على أخرى، وبأن الجنس البشري مكون من أصل واحد، ولكن التعصب والجهل وحب السلطة والغرور كانت السبب في منع الكثير من الناس من معرفة وقبول وحدانية هذا الأصل.
حقوق مسلوبة
تم تاسيس أول محفل روحاني بهائي في العالم عام 1931 في بغداد، كما يشير الدليل الرسمي للمملكة العراقية لعام 1936، وكان مكانه في محلة السعدون وسط بغداد، لكنه صودر وأصبح المبنى مديرية للأمن وزنزانتها المحشوة بالمعذبين. كما شيدوا مقبرة لهم في بغداد عام 1952 عرفت حينها بـ “الروضة الأبدية”.
بدأ تهميش البهائيين عام 1970، حين حظرت الديانة البهائية بقرار لمجلس قيادة الثورة المنحل، ليتم بعد ذلك تجميد قيود البهائيين في سجلات الأحوال المدنية عام 1975. حرم القانون رقم 105 لعام 1970 أي نشاط بهائي على أرض العراق، فقد نصت مادته الأولى على أنه “يحظر على كل شخص تحبيذ أو ترويج البهائية أو الانتساب لأي محفل أو جهة تعمل على تلقين أو نشر البهائية أو الدعوة إليها بأي شكل من الأشكال”.
ونصّت المادة السادسة من القانون على أنه “يعاقب المخالف لأحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن 10 سنوات”. ولاحقاً من السنة ذاتها، تحول هذا الحكم إلى الإعدام. عندها توالت النكبات على البهائيين فقد جُردوا إثر تلك القرارات من جميع ممتلكاتهم وسُجن بعضهم وأُعدم آخرون وغُيب الكثير منهم في تلك الفترة.
البهائية في إقليم كوردستان
تعود علاقة الدين البهائي بكوردستان إلى السنوات الأولى من نشأته، عندما اختار بهاء الله الرحيل إلى كوردستان في شهر أبريل (نيسان) 1854 للاعتكاف لفترة من الزمن بين جبالها. ويذكر بهاء الله، أن كوردستان هي الاستثناء في مسيرة حياته، فهو لم ينل راحة كتلك التي وجدها فيها، ويصف أيامه فيها بأنها كانت “أيام السلام والهدوء الوحيدة” التي قدر له أن يتمتع بها، فقد أحب بهاء الله كوردستان وأرضها وشعبها وهم بادلوه المحبة والترحيب.
وتقول دراسة، ان هذا الانفتاح في العلاقة بين البهائيين وبقية الثقافات الدينية المحيطة بها في كوردستان العراق، فضلاً عن التشريعات القانونية الضامنة لحقوقهم، يوفر دلائل أولية على إمكانية تطوير الوضع الاجتماعي والثقافي للبهائية داخل النسيج الكوردستاني خلال المراحل المقبلة، لكنه يظل تطوراً جزئياً أو ناقصاً ما لم يتم دعمه وتعزيزه بإجراءات حكومية ملموسة ومدروسة لإصلاح نظام التعليم الديني في المدارس، وإتاحة الفضاء الثقافي والإعلامي لهم ليعبّروا عن معتقداتهم ومبادراتهم بحرية وأمان وثقة.