المسرى..
إعداد: كديانو عليكو
تشهد النواعير في العراق على ثقافة بلاد عمرها آلاف السنين. حكاياتها لم تتوقف رغم أن عملها تجمّد، فهي تعيش دائماً في قلوب سكان مُلهَمين بسحرها. لا يمكن تجاوز النواعير لدى الحديث عن نهر الفرات الذي يخترق أراضي مدينة الأنبار غرب العراق، فالنهر يرتبط بالنواعير منذ آلاف السنين في المنطقة، ما جعله أحد أبرز سمات التراث العراقي.
مواقع جديدة في قائمة اليونسكو
بجهود حثيثة بذلتها الحكومة العراقية أثناء انعقاد اجتماعات المجلس التنفيذي الثاني والسبعين للجنة الدولية للري والبزل (ICID) في مدينة مراكش المغربية قبل ايام، أدرج كل من سدة الهندية القديمة في محافظة بابل، ونواعير قضاء هيت في محافظة الأنبار، في سجل التراث العالمي للري على قائمة اليونسكو.
واكدت خلية الإعلام الحكومي، إدراج سدة الهندية ونواعير هيت في سجل التراث العالمي.
وقالت الخلية في بيان تلقى (المسرى) نسخة منه، ان “ما حصل في مراكش السبت الماضي، يوم عراقي بامتياز ويشكل إنجازاً كبيراً لبلدنا، لم تستطع سوى دول قليلة من تحقيقه تتوافر على إمكانيات كبيرة تفوق إمكانيات العراق في الوقت الحاضر وسيشكل حافزاً كبيراً؛ لتحقيق المزيد من الإنجازات والمكاسب في المستقبل”.
ادراج الموقعين جاء بعد يومين من إعداد (المسرى) تقريرا عن المواقع العراقية المدرجة على لائحة التراث العالمي في قائمة يونسكو.
مقصد للسياح
تنتصب النواعير على نهر الفرات المارّ بقضاء هيت غرب الأنبار، التي تقول الأساطير، إن النبي نوح جلب منها القار الذي طلى به سفينته، وهي مقصد للسيّاح الذين يزورون المدينة.
وتقع هيت شمال مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، بمسافة 70 كم، كما تبعد 180 كم شمال غرب العاصمة بغداد، ويسكنها، حسب تقدير سكاني رسمي يعود لعام 2010، أكثر من 95 ألف نسمة من قبائل عربية عدة.
حكاية تاريخ
وفي كتب التاريخ القديم، يروى أن سرجون الأكدي (2350 ق.م) قصد هيت لتقديم القرابين في معبد شيّد هناك للإله “دجان” المذكور في العهد القديم من الإنجيل.
ويروى أيضاً أن الجيش الروماني دخل المدينة المعروفة باسم “داقيرا” باللغة السريانية (نسبة لآبار القار الموجودة فيها) ، سنة 363م، كما ذكر “زوسيمس” مؤرخ الجملة.
سدة الهندية
سدة الهندية التي ادرجت على لائحة التراث العالمي للري حديثا، تقع على نهر الفرات جنوب مدينة المسيب ضمن محافظة بابل، وصممها ونفذها المهندس البريطاني ويليام ويلكوكس لرفع منسوب نهر الحلة من المياه.
بدأ البناء بالسد عام 1911 وانتهى عام 1913، وقد بني سد جديد بين عامي 1984 و1989 على بعد بضعة كيلومترات شمال السدة القديمة، بمناسبة إطلاق مشروع اعادة تشغيل سدة الهندية القديمة.
ذاكرة ماء
في عام 1793 (في فترة حكم الدولة العثمانية) زار النجف المهراجا (يحيى آصف الدولة الهندي) وزير ملك الهند (محمد شاه الهندي) جالباً معه أموال خيرية وكان من طائفة البهرة فرأى شحة مياه الشرب، حيث كان أهالي النجف يحفرون الآبار فيجدون مائها أجاجاً عسراً غير صالح للشرب، فخطرت فكرة لآصف الدولة في أن يحفر قناة مائية من نهر الفرات وإيصالها إلى النجف فقام بتمويل هذا المشروع وبدأ به من جنوب مدينة المسيب لكنه لم يستطع إيصاله إلى النجف بسبب إرتفاع المدينة فأوصله إلى الكوفة وبدأ الماء يسري في هذه القناة الجديدة بشكل منتظم إبتداء من سنة 1800 وأصبح الناس يسمونها “شط الهندية” نسبة للمنحة الهندية، لكن بمرور الوقت توسع مجرى شط الهندية وأصبح هو المجرى الرئيس لنهر الفرات بعد أن كان شط الحلة هو مجرى الفرات حيث كان شط الحلة في السابق يصل في عرضه إلى درج سوق الدهديوة الموجود لحد الآن. وفي عام 1830 أصبح من الضروري توجيه قسم من ماء الفرات إلى شط الحلة الذي بدأ ماؤه يقل فحاول (علي رضا باشا ونجيب باشا) من إنشاء سدة له وتمكن (عبدي باشا) من سد الفرات وبناء ناظم قوي له من الآجر وقد تهدم ذلك الناظم سنة 1854. ثم بنى (عمر باشا) سداً كبيراً من التراب والحطب فلم يبقى منه إلا قليلا. وما حلت سنة 1880 حتى أصبح شط الهندية هو مجرى الفرات الأصلي .