ستران عبدالله
في احدى المرات اخبرنا الرئيس مام جلال وهو اليساري المخضرم المعجب بالتجربة الصينية ان الصين اوجدت وظائف للجدات كبار السن ايضا، وهي ان يقصصن مفاخر الشعب والوطن الماضية لاجيال المستقبل، يخبرنهم كيف ان الوطن احتل، وكيف حرره المناضلون واوصلوه الى مانحن فيه اليوم ؟
لماذا يكلف الصينيون الجدات لسرد ملاحم التحرر ؟ اليست التجربة السينمائية الصينية مثل سياستها الحكيمة واقتصادها الصاعد تتمتع بمكانة متميزة في هذا المضمار ايضا ؟
ان ملاحم الصين منذ عصر الامبراطورية وحتى عصر الرئيس “ماو” الذي وحّـد اطراف ذلك البلد شبه الاقطاعي وشبه الرأسمالي الكبير ووضعه على سكة النمو والازدهار ، متخم بالـسيناريوهات المعتبرة التي تناسب المئات من الافلام، وحتى سينما هوليود شربت من هذا النبع الصافي و العذب واخرجت فلما رائعا عن نضال “ماو” بأعتباره الموحد للوطن قبل ان يكون باني الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. بشكل اغنى الصينيين عن البحث في اخراج افلام عن زعيمهم المميز . و هناك تفسير واحد لاستبدال تقنية الافلام والسينما بـفن السرد المباشر والحكاية المروية على لسان الجدات وهو : ان الرواية الشفهية ومجالسة الناس وجها لوجه اكثر تأثيرا، فهي تخرج مباشرة من القلب وتقع في القلب.
في الحقيقة ان الامم جميعا بحاجة الى السرد و تقديم الرواية الشفاهية ، نحن بحاجة الى ان نروي ونقصص ما مر علينا من وقائع واحداث.
لو قيل ماقلناه الان في السنوات السابقة لقالوا ألم تنتهوا من هذه الحكايات القديمة العتيقة والبالية ؟ في الحقيقة ان من كانوا ينادون بهذه المقولة كانوا يخشون من المستقبل، فالمستقبل متربص بهم في حكاياته الماضية. وهم رجعيون بهذا المعنى لانهم لايملكون حكايات تستحق ان تروى.هم يعتقدون مخطأين انهم بدفن الماضي المليئ بالمفاخر، سيتمكنون من ضمان المستقبل لهم، الا ان وضع البلد الهش والتهديدات والمخاطر المحيقة بكوردستان بل والعراق برمته اظهر ان الماضي يلاحقنا والمستقبل يتطلب التضحية والنضال من اجل ضمانه
الان ، ورغم ان الملاحم الماضية لم تقصص جميعها، فاننا نرى بام اعيننا ملاحم جديدة يسطرها ابناء كوردستان، وبيشمركه هذا الوطن. ان حكايات ماضينا الحقيقية و حكايات ايامنا الحالية ايضا تستحق ان تروى وهي حاجة روحية وغذاء معنوي للاحياء.
آن الأوان كي يتعلم الكوردي السرد لان الكثير من المصائب حلت عليه، وحتى لايذهب ماتعرض له من احتلال وظلم وماقدمه من مقاومة ومواجهة، هباءا منثورا وكي يحفظوا التجارب والخبرات عبر الدفاع عن المستقبل وايامه الحبلى بالعبر والدروس.
في الصين تفرغت الجدات لرواية الماضي، و عند اخواننا الشيعة فأن واقعة كربلاء و مفاخر الحسين في الايثار والتضحية اضحت ثقافة شعبية ثرية في المخيلة العراقية. هل تتذكرون كيف كان ضحايا مجزرة الدجيل يرون في جلسات محاكمة ازلام النظام البائد بتأنٍ وروية وحزن عذاباتهم ومآسيهم ؟
فالشيعة يفقهون السرد الكربلائي واي مصيبة تحل عليهم هي كربلاء حديثة اخرى عندهم.
كان على جداتنا ان يقصصن علينا سفربلك ومآسي الحرب الكونية، كان عليهن حفظ ما حل بـ”درسيم وزيلان وبردقارمان وبارزان” كي لا تمسي رواية الاحداث التي هي مفخرة بالاصل، فعلا رجعيا او خزيا وعارا لاسمح الله.
كي تصير فكرة الحفاظ على امس، سمادا خصبا لتلك القدرة التي تظهرها البيشمركه اليوم في جبهات القتال.
لتروِ الجدات امسهن، ولنتكفل نحن برواية قصص اليوم، وانا على يقين بان المستقبل سيكون طوع بنان اجيالنا القادمة و سيدعمنا سيرا على هذا المنوال.