شاركها
د. عادل عبد المهدي
لايمكن لأمة ان تنهض وتقوم بدون عقد تأسيسي اجتماعي مضمر او مكتوب ينظم علاقة الجماعات والمواطنين والسلطة والهوية والسيادة والحقوق الفردية والجماعية وفلسفة الامة في اجتماعها واقتصادها وثقافتها وادابها ونظرتها لتاريخها ومستقبلها ومحيطها.. فهل للعراق عقد تأسيسي؟ ام هو على طريق ذلك؟ فمشاكلنا الكبيرة والصغيرة مرتبطة، تفجراً او حلاً، بهذه الحقيقة. فتشنا عن مفردة تعكس قاعدة العقد فلم نجد افضل من المفردة الشعبية العراقية الاعجمية “السي بايه”. انها القاعدة الثلاثية الارتكاز التي يوضع عليها وعاء الطبخ، او غيره، فيكفي غياب مرتكز واحد لتنهار.. والعراق بكل ابعاده يقف على ثلاث مرتكزات هم الشيعة والسنة والكرد.. وان غياب او تغييب، اي مرتكز سيعني عراق المشاكل والتجزئة والتناحر. وبدون تعريف علاقات 95% من ثقل العراق وتصريفها في قنواتها الصحيحة، سيصعب موضعة الشركاء الاخرين الذين لا يقلون اهمية من حيث النوع وان كانوا اقل عدداً.. كالتركمان والمسيحيين والازديين والصابئة والشبك والفيليين وغيرهم. مع التذكير اننا نتعامل مع حالة متحركة. فنحن امام عناصر حياة وموت ليس كل ما فيها شاعري وجميل ونبيل، بل فيها الكثير من الدماء والمآسي والفواجع والالام التي تصنع حقائق جديدة لن تتصورها دورة الاجيال (عقود وليس قرون).. لكنها بدورة التاريخ حقيقة تفرض نفسها بكل الابعاد. فنحن نتاج التاريخ رضينا او تذمرنا، ونساهم بانتاج التاريخ المقبل، لنا او ضدنا، حسب وعينا او جهلنا. فعراق ما قبل الاسلام غير الذي بعده.. وعراق العباسيين غير عراق العثمانيين والصفويين.. وعراق المملكة غير العراق الجمهوري.. اذ عشنا قبل عقود حضوراً مؤثراً لليهود العراقيين سياسياً وتجارياً وفنياً وعلمياً، فانحسر منذ نهاية الاربعينيات لينعدم اليوم.. وكذلك للفرس العراقيين واسقاط جنسيتهم بعنوان “التبعية” خصوصاً منذ بداية السبعينات، وهلم جرا. فالعراق بتوليفته الحالية لا يمكنه ان يستقر وينتج الا بحد ادناه المرتكزات الثلاثة.. والا سيخاصم نفسه، ويميل ساقطاً ليعيد انتاج الفشل والتصادم والكراهية والاستفراد والتطرف. فهل انجزنا التأسيس اللازم؟ فان كان نفياً.. فهل يحق الكلام؟ ام نغلق النقاش – حسب رأي البعض- ونمنع البحث باللحمة والسدى، وهي طول وعرض عقد النسيج الاجتماعي، الذي عليه تقوم الدولة المدنية والاغلبية السياسية والحقوق الفردية والجماعية، ليتلبس التأسيس ويحفظ بالمواطنة المتساوية والدستور.. تأسيس للحماية والوحدة والتجاوز، لا تأسيس للظلم والعزلة والتشرذم. لم ننجز بعد كل متطلبات العقد التأسيسي.. ولعل المحاولة الاهم الاعداد والاستفتاء على الدستور، رغم مقاطعة جماعة كبيرة مما شكل ثلمة مهمة.. فلا يمكننا الكلام ان الدستور قد بلغ مرتبة العقد التأسيسي لعاملين على الاقل.. فالتعديلات لم تجد طريقها للتقنين والاستفتاء.. والاهم عدم استكمال القوانين الدستورية، وكثرة التجاوزات والتفسيرات الغامضة والمتناقضة، وتفوق الامر التنفيذي، وضعف القوى السياسية، وجعل الدستور رهينة للابتزاز والمساومة.. فتعطلت فاعليته كقانون اسمى للعراقيين وجماعاتهم. وبقينا وسط هجين من ممارسات الماضي واستخدامات غير متكاملة او موفقة باسم الدستور.. وصار الارتباك والعطل والتخاصم سمة اساسية للوضع، تتجاذبه حقيقتان اساسيتان. 1-استمرار الاختلاف حول مفهوم الدولة.. فالكرد يرونه استحقاقاً قومياً…. والسنة استحقاقاً تاريخياً.. والشيعة استحقاقا للاغلبية، ناهيك عن الاخرين. 2-الامتدادات الاقليمية المساعدة او المعرقلة لكل من الجماعات الثلاث اساساً مما يجعل مصادر القوة والضعف مصادر خارجية وليس داخلية فقط. فالكرد سبق وان وعدوا بدولة حسب اتفاقات سيفر 1921.. فقاتلتهم الدولة لاكثر من قرن.. واحرقت قراهم وهجرتهم عند قوتها، وفاوضتهم عند ضعفها. فترسخت مطالبهم بسلطة حقيقية في بغداد وفي مناطقهم او خليطاً او غيره حسب الاوضاع والظروف.. ورأى السنة الذين حُكم بهويتهم وباسمهم لقرون تغيير 2003 مؤامرة وتهميشاً، رغم معاناتهم الاضطهاد والظلم كالاخرين. فلعبوا دور غيرهم السابق، المصيب او الخاطىء، في المقاطعة والمعارضة ورفع السلاح.. مع معرفتهم دورهم التاريخي وامتداداتهم الخارجية وتأثيراتها التي تجعل قبول او توتر حسهم العام عنصراً حاسماً للوحدة او الانقسام.
اما الشيعة فنمو احساسهم باغلبيتهم.. واستهدافهم المبكر خصوصاً، من بقايا النظام السابق او الارهاب، عززت شعورهم بالمظلومية التاريخية وصورها المختلفة في وعيهم العام، فاندفعوا للمسك بمصادر قوة الدولة بوسائل مبررة وممجوجة، وباسلوب العنف المضاد المشروع واللامشروع. فالمسألة ليست مجرد صراع شخصيات ومصالح حزبية رغم الادوار الشخصية لاستغلال الاحداث او حلها. فالاهم قدرة الجماعات لقبول العقد الجماعي، بشروطه والتزاماته وتوازناته وما هو لهذا الطرف او ذاك، بدون لف ودوران.. اما التلويح بالقوة ونتائجها الكارثية المجربة، واستغلال قدرات الدولة لضرب الاخر، او استغلال الاخير قوة السلاح والضغط خارجها.. والتغطي بالشعارات التعميمية والكلمات الرنانة، واخفاء العصب والحساسيات الاساسية لكل جماعة، فانه تحايل تاريخي ومع النفس والوطن ضارة لكل منا، وضارة للبلاد ايضاً. ان استفراد اي مكون بالسلطة وعزله بقية الاطراف ومهما كانت الاسباب والمبررات لا يبني عراقاً دستورياً موحداً مستقراً يستطيع التقدم والبناء والتناغم مع محيطه الاقليمي والدولي.. فسعي اي طرف للاستفراد لا يمكنه ان يكون الا عبر الوسائل القمعية والتهم الباطلة، او بالاستنجاد بالاجنبي. هكذا كان الامر قديماً، وهو خيار مفتوح اليوم. فتوحيد النظر للدولة وبناء الشراكة لا يعني اساساً تحاصص الاحزاب، بل يعني القناعة الاكيدة ان المصالح والحقوق الجماعية والفردية، والقرارات والسياسات هي محصلة المساهمة الواعية المسؤولة لاطراف العقد.. صحيح ان الاطراف الثلاثة وغيرها مسؤولة للتحرك نحو بعضها.. لكن المسؤولية النوعية والاولى تقع على من يمسك بدفة الامور، الذي قد يخطىء في امرين.. اقامة نظام مغلق يقنن لنفسه بعيداً عن مفهوم الاغلبية الدستورية وقواعد التداول المفتوح للجميع.. والثاني التعامل مع شركاء الوطن وكأنه الطرف الوحيد المخلص والضامن.. اما الاخرون فمشاكسون وطامعون، او متآمرون يريدون الانقلاب. سابقاً كانت للحكم مشكلة مع الشيعة والكرد وكثير من السنة وغيرهم.. فارتكب الخطأين بتقنين نظام مغلق مستخدماً لغة التاريخ للاستئثار وتعامل مع الاخرين بالعقوبات ومفاهيم التبعية ومواطنة الدرجة الثانية.. واليوم لدينا مشكلة مع السنة وازمات موسمية مع الكرد وكثير من الشيعة وغيرهم.. وعلينا عدم الوقوف فقط عند اخطاء الاخرين وتبرير اخطائنا وتقنين السيطرة والاستفراد بوسائل ملتوية باسم الاغلبية بعيداً عن الدستور.. والانزلاق للتخاصم مع اطراف العقد بحق او باطل. فالاكثر وطنية والتزاماً بيننا من يؤمن بالوحدة بشراكة الاخرين الكاملة والحقيقية كطريق ممكن ووحيد، ربح ام خسر الشخص والحزب. فالبديل الصراع وضرر الجميع وتعطل البلاد. وواجبنا ان نكون قدوة للالتزام بما شرعناه عندما يكون علينا، لنستطيع اقناع الاخرين بالتقيد به عندما يكون لنا. اما الشكوك وبناء عقود الباطن وتعطيل او تفريغ العقد الحقيقي، فمعناه دفع البلاد للاستبداد والانقسام.. فالحاكم امام دستورنا مسؤول غير مصون.. وليس كالملك مصون غير مسؤول. او كصدام مسؤول ومصون.. ولنا في تجربة جنوب افريقيا مثال، والامثلة تضرب ولا تقاس. فادركت الاقلية البيضاء اللحظة التاريخية واقرت التحولات الدستورية.. فكانت خطوة شجاعة انقذت نفسها تاريخها ومستقبلها رغم خسارتها الحكم.. فاجابها مانديلا بخطوات اكثر جرأة في اقرار عقد حمى فيه مصالح البيض والاكثرية السوداء، ثم ترك الحكم، فكسب الاغلبية والتاريخ، وضمن مصالح البلاد، ووضعها في مقدمة الامم. ما لم تتفق الاطراف الثلاثة على مفهوم موحد للدولة فسيصعب الاتفاق على عقد تأسيسي للبلاد. وسيستمر التنازع والفوضى. فاذا استبعدنا الاخضاع والفرض، والانقسام والتجزئة. فلابد من حل.. يتطلب الحل خطوة قد تبدو مستحيلة، لكنها تاريخية لكسر حاجز الخوف وعدم الثقة. فلا يلجأ الشيعة لاتفاق باطن لاعتبار الاغلبية السكانية اغلبية سياسية خارج الفهم الدستوري.. وان لا تبقى الجغرافيا موضوعة احادية للكرد بل يدخلوا المصالح ايضاً.. فيروا مصلحتهم في العراق كله وليس في كردستان فقط.. ويتحركوا في الحقوق القومية في الاتجاهين وليس في اتجاه واحد.. وان يتجاوز السنة الاطروحات التاريخية بمبانيها لفهم الدولة والاخر.. وان العراق المركزي بات ضرراً عليهم ايضاً. وان يتفق الجميع ان الدولة لا يمكنها ان تستبطن دولة اخرى، بل دولة ديمقراطية اتحادية موحدة قوية تتوزع فيها السلطات والاختصاصات. عندها سيتشكل –رغم الاختلافات الطبيعية والضرورية- قاسم مشترك لمفهوم الدولة، يحقق المطالب الاساسية لكل طرف ولا يهدد الاخرين. فالاغلبية السكانية للشيعة ستجد مصلحة وضمانة راسخة في الانتخابات والديمقراطية.. وسيحصل الكرد على استحقاق تاريخي متقدم لعراق اتحادي يقوى به الاقليم ويقوى به العراق. وستضمن الشراكة والوزن والامتدادات للسنة، دورهم التاريخي والاساس، كقاعدة جماهيرية وكقيادات تقف في الصف الاول لقادة البلاد.
ان تحقق ذلك فعلاً فسيتراجع التخندق، وستتغير المعطيات والعلاقات، ايجاباً ونوعاً. وبتوزيع مقاعد البرلمان وموازنة الدولة وملاكاتها وفرصها حسب النسب السكانية والاستحقاقات الوطنية، فان المشاركة العادلة والمتكافئة ستبنى في القاعدة وفي الاعلى.. وستطمئن الاغلبية السكانية ان الدولة ستكون دولتهاً دون تعطيل من الشركاء.. وباستكمال “مجلس الاتحاد”، واحترام الدستور في صلاحيات المحافظات والاقاليم وحكوماتها المحلية كاعلى سلطة تنفيذية هناك، فسيطمئن الشركاء ان حقوقهم محفوظة، وان الاغلبية السكانية لن تعني التفرد، مما يجعل الدولة دولتهم ايضاً. اذا استقرت هذه المفاهيم وتشكلت مصالح مشتركة اعلى مما يمكن لكل طرف ان يحققه منعزلاً، وصارت الدولة احدى تلك المصالح.. يتضرر من يعرقلها ويستفيد من فاعليتها الجميع.. وان الدولة، ليست موقعاً واحداً يسترضيه او يتقاتل عليه الفرقاء، بل مجموع المواقع والمؤسسات القابلة للتوزع والتدوير، والتي للكل فيها كلمتهم وصلاحياتهم وحقوقهم الاجرائية والدستورية، فان الشراكة ستخرج من المحاصصة والتصادم والصفقات السرية، لتكون جوهر العقد التاسيسي الذي ينظم ما يستتبعه ذلك، وينطلق بالبلاد للامام. لا يبدو الوصول لقاسم مشترك لمفهوم الدولة مستحيلاً لكنه يتطلب جرأة وشجاعة تنظر للمستقبل والمصالح العليا والبعيدة لكل الاطراف، وليس لشخص او طرف واحد. اذ يمكن للعُقد الاجتماعية المختلفة للشيعة والسنة والكرد ان تتفكك عند القاسم المشترك للدولة الموحدة.. ولتحقيق ذلك لا يطلب من احد التخلي عن هويته او تذويبها، كما يقترح البعض، بل المطلوب الجرأة مع النفس في نقل ما نقوله علنا الى غرف لقاءاتنا السرية.. المملوءة بركام كبير من ردود فعل طبيعية، لكنها سلبية مما ثوارثناه بسبب الانظمة الفاسدة المستبدة.. فاستشرى عندنا جميعاً المرض والخوف من الاخر والعقد المعطِلة.. والكثير من الممارسات التي نلجأ اليها، لكننا نخجل من اعلانها ونغلفها بكلمات نتستر بها. فضميرنا وفطرتنا تصونان لسان معظمنا على الاقل.. فالتصريح العلني واحد من حجج صوابية شعارات وحدة الوطن واخوة الكرد والعرب والتركمان وغيرهم.. ووحدة الشيعة والسنة.. وتعايش الاسلام والمسيحية وبقية الديانات.. ونبذ الطائفية والكراهية والعنف.. وحبنا للحرية والاستقلال والعدالة.. ورغبتنا في افضل العلاقات مع محيطنا وعالمنا. فاذا عززت افعالنا بقية الحجج لما نصرح به، فاننا نستطيع الاطمئنان من توفر المرتكزات الاساسية للعقد التاسيسي.. وستتحقق التعبئة الاجتماعية الكبيرة باثارها التوليدية المتضاعفة لعناصر القوة، القادرة على محاصرة الازمات وتجاوزها.. وسنسير ولو من زوايا مختلفة نحو اهداف مشتركة تزداد سياساتها تكاملاً ووحدة.. مما سيسهل تنظيم العلاقات والرؤى مع الجوار بكل الامتدادات والارتباطات.. ليعود للعراق الانسجام مع نفسه ومحيطه.. ودوره التاريخي، كعقدة المنطقة، وبيت حكمتها، ودار سلامها.. وليتجاوز العطل التاريخي الذي اصابه منذ قرون، وليدخل في دورة اعادة انتاج نفسه كمركز لواحدة من اهم حضارات العالم. وسيكون تعاقد الشيعة والسنة والكرد اساس تعاقد جميع الشركاء الاخرين.. فالتعاقد بطبيعته يرسي اسس الاعتراف بالاخر وحقوقه، فلا يقوم على الاستفراد او التعطيل.. فاساسه القاسم المشترك الذي هو الدولة الديمقراطية الاتحادية التعددية المتوزعة الصلاحيات، الحريصة على مجتمع قوي وشعب متعايش.. واجبها رعايته وخدمته وتحقيق مصالحه ومطامحه.. حيث يجد الجميع حقوقهم ومطالبهم بكامل ابعادها وصورها البناءة والمتعايشة. وحيث الاعتراف بالاخر ليس اعداداً او هويات مجردة فقط لا مضامين او اثقال نوعية لها.. بل بالضرورة اعتراف بالوزن والنوع والخصوصية والتاريخ والارض والامتداد والمستقبل حقوقاً، بكل تفاصيلها الدينية والمذهبية والاعتقادية والقومية والفردية الجماعية. الهدف النهائي للعقد الوصول للمواطن والمواطنة ونظامها ودولتها ومجتمعها *فالنظام يقوم على الانتخابات حيث للمواطن صوت واحد.. ومجلس نواب (ومجالس محلية) ينتخب الحكومة ويشرع القوانين بالاغلبية السياسية.. اغلبية واقلية يتبادلان المواقع بالتداول السلمي. فتستطيع الاغلبية المضي ببرنامجها دون قدرة مطلقة للاقلية بالتعطيل، بل حقها بالحجر بشرط الوقت والمضمون والاجراء.. بوجود مجلسين او قراءات وتصويتات وموافقات متدرجة.. فنحن بلد تعددي، وللجميع حقوق. فلا تعطل الاقلية الحكومة والحياة.. ولا تتصرف الاغلبية بالبلاد مستفردة دون حفظ حقوق الشركاء، والا الفوضى والاستبداد. بل هو مهم لمنع سقوط الاغلبية اسيرة موازين القوى بطبيعتها المتغيرة. فالنظام الناجح يحركه الاكثر والاقل عدداً، لكل دوره.. فيوفر التغيير من جهة والثبات والاستقرار من جهة اخرى.. اغلبية وطنية، واغلبيات سياسية قد تختلف على الصعد المحلية في المحافظات والاقاليم. وقرارات وسياسات اتحادية في اختصاصاتها لا تتداخل مع سياسات محلية لا تتجاوز حدودها.
والمواطنة في الدولة القائمة على الكفاءة ببناء يتدرج من ادنى لاعلى.. ونظام الخدمة المفتوح للجميع فيحقق التوازن عبر التماهي مع المجتمع، ويوفر الثبات المطلوب للدولة في ملاكاتها.. فلا فرض من فوق بمحاصصة حزبية او طائفية، الا لتصحيح خلل تاريخي.. فالدولة مستقرة والحكومات متغيرة. والبدن باق، ويتغير الكساء واللون والبرامج، حسب الفصول. *والمواطنة في المجتمع حيث يقف الانسان، رجلاً وامراءة، كبيراً وصغيراً، غنياً وفقيراً، قوياً واثقاً من نفسه غير خائف، يعي تماماً انه سبب وغاية وجود الدولة والحكومة.. حيث لا واجب وعمل لهما غير خدمة وحماية المواطن.. الذي تحمي القوانين حقوقه كاملة بقوة القضاء المستقل العادل… فلا تنتهكها الاجراءات الامنية والمحاكم الخاصة. مواطن يعرف مسؤولياته وواجباته القانونية ويلتزم بها، كل ذلك حسب مبدأ الفرص والواجبات المتساوية مع بقية المواطنين في المجتمع والدولة والحكومة.. فالنظام ومستلزماته محور العقد التأسيسي الذي سيتلبس به بالضرورة الدين والمذهب والقومية وغيرهم.. تلبس دون التصاق، وتناغم دون تطابق، فلا اعتداء من هذا او ذاك.. فكل في نصابه ودوره. فالكنيسة في اوروبا اسست الدولة، وعادت الدولة لتؤسس الكنيسة ولتنشر بالحرب والسلم صلبانها وقيمها.. واسست اليهودية دولتها، وها هم زعماء كبار يعتمرون قلنسوتها.. فلا يخجل احد من دينه وقوميتة ومذهبه ومعتقده وعاداته وتاريخه ما دام هدف العقد الاجتماعي المواطن والوطن بكل ما عليه وفيه ولمصلحته.