سوران علي
نتلقى نحن الصحفيين وبشكل يومي أخبارا وبيانات للجهات الأمنية من وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني وخلية الإعلام الأمني ومديريات الشرطة في المحافظات بشأن الإطاحة بتجار مخدرات واعتقال متعاطين وإحباط عمليات كبيرة لتهريب مواد مخدرة وتفكيك شبكات خاصة بها كان آخرها ضبط 11 كغم من الكريستال في محافظة ذي قار و70 كغم من المواد المخدرة في إقليم كوردستان، فنسبة انتشار المخدرات باتت هائلة بين الشباب العراقي أكد ذلك وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي وهي أكثر من خمسين في المئة وتصل النسبة في الأحياء والمناطق الفقيرة التي تعاني البطالة وسوء المعيشة إلى سبعين في المئة كما تؤكد السلطة القضائية، وهذه النسب الكارثية تنذر بتداعيات صحية واجتماعية واقتصادية لا حصر لها إن لم يتم تدارك الوضع قبل خروجه عن السيطرة، ومع ذلك نرى الأحزاب والقوى السياسية لا هم لها سوى مصالحها الضيقة وهي منشغلة بأمور ثانوية أخرى لا تمت إلى المواطن المبتلي بشيء وقد وصل الخطر الداهم إلى عتبة داره.
لقد تبوأت مشكلة تفشي تهريب وتعاطي وتجارة المخدرات في المجتمع العراقي المراتب المتقدمة من بين الأزمات التي يمر بها البلد بعد 2003، فقد تسارعت وتيرة انتشار هذه الآفة الخطيرة بسبب تدهور الوضع المعيشي والأمني وانهيار مؤسسات الدولة والصراعات السياسية واستشراء الفساد وانعدام الرقابة وفقدان السيطرة على الحدود، ناهيك عن غياب جهات قوية متابعة لها تعمل على مكافحتها ومعالجة مسبباتها والحد من تبعاتها المدمرة على الأسرة والمجتمع والأجبال القادمة على السواء.
وتوحي نشر التقارير اليومية حول عمليات التصدي للظاهرة بوجود جهات معنية مختصة تعمل جاهدة على مكافحتها إذ تشير التقارير إلى اعتقال حوالي 16 ألف شخص خلال سنة ونصف من مروجي وتجار المخدرات أكثر من 5 آلاف منهم من المتعاطين، وهو مؤشر خطير، ولكن ضعف الإمكانات المتاحة وتفاقم المشكة من جهة، والتركيز على محاربة الظاهرة من الناحية الامنية فقط، من جهة أخرى، تظهر أن الجهود المبذولة لا ترقى إلا حجم المشكلة وليس بإمكانها فعل شيء أمام تسارع تفشي الآفة على هذا المنوال، وهنا تتبين ضرورة تغيير خطط مكافة المخدرات وتوسيع مجالاتها وعدم الاكتفاء بالوسائل الأمنية ومعاقبة المعتقلين لا سيما التجار والمهربين.
وعلى الرغم من وجود قانون نافذ لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في العراق منذ عام 2017، والذي حدد عقوبات صارمة تصل لدرجة الإعدام كما في المادة 27 منه، وللسجن المؤبد كما في المادة 28، إلا أن تنفيذه لا يزال دون المستوى المؤمل والظاهرة في تزايد وتوسع مستمر، والسبب في ذلك أمور عدة الأول عدم وجود متابعة لتنفيذ القوانين خصوصا في مجال حساس كموضوع المخدرات، والثاني التلكؤ الحكومي في عدم التسامح مع من يتواطؤن في قضايا الاتجار بالمواد المخدرة وتهريبها بحيث أصبح العراق معبرا إقليميا ودوليا لنقل هذه المواد، والثالث عدم الإفصاح عن الأرقام المخيفة التي تحصل عليها الجهات المعنية بل والتستر عليها أحيانا بداعي عدم إخافة الناس وإحداث ضجة إعلامية حتى أن الصحفيين لا يمكنهم الحصول على معلومات كافية حول هذا الملف الحساس الذي يمس حياة المواطن وأمنه وروابطه الاجتماعية.
إن ما يدعو للتوجس والقلق هو عدم الإكتراث بمحاربة هذه الظاهرة عند السياسيين والسلطات الحكومية إذ لم يأخذوا الأمر على محمل الجد، فتراهم منهمكين في الجدل السياسي دون جدوى ويتصارعون على القضايا السياسية ناسين ما سيحل بالمجتمع بعد أن تصبح الأمور خارج السيطرة، وبعد أن دق ناقوس الخطر عليهم العودة إلى الرشد والبدء باسرع ما يمكن بإدخال خطط شاملة حيز التنفيذ تمول جيدا ويشارك فيها الجميع وتشمل معظم المجالات الأمنية والتربوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والصحية عسى أن تكون قادرة على منع تدهور أكثر لا يحمد عقباه ولن يكون أحد بمأمن منه.
عن صحفيفة إيلاف الألكترونية