د. محمد وليد صالح
كاتب عراقي
مشكلات التدفق الحر للمعلومات سعت إلى دراستها مراكز ومنظمات مختصة ومنها الأمم المتحدة، وفي وثيقة اصدرتها منذ خمسة وعشرين عاماً مضت بعنوان (العولمة الإعلامية) شمل محتواها على أبعاد ستراتيجية وسياسية وإنسانية بعد اعتراف المجتمع الدولي بوجود مشكلة الأمن الإعلامي الدولي كنتيجة حتمية في المرحلة المقبلة، فضلاً عن قرارها التاسع والأربعين عن تحقيق الأمن الدولي في الإعلام والاتصالات المسموعة والمرئية.
ولهذ التقدم جوانب إيجابية وأخرى غير إيجابية للمجتمعات ربما تستثمر التفوق مستقبلاً في مجالات منها مخاطر استعمال هذه التقانات ومنها الاستشعار عن بعد بشكل يتعارض مع مهامها في دعم وتعزيز التفاهم والأمن والاستقرار الدولي، ولاسيما تهدد الأمن الإعلامي للدول الأقل تطوراً في مجالات النشاطات الإنسانية الاقتصادية والسياسية والعلمية، والثقافية داخل المجتمعات المحلية فيها، مما يجعل الحاجة واضحة لبناء أمنها القومي على وفق المصالح الدولية مما يضعف الدور الطبيعي للتبادل الإعلامي.
فالاتساع والشمولية دفع إلى زيادة تأثير وسائل الإعلام الرقمي على وعي الأفراد الفكري والاجتماعي وقاربتها بعض الدول بقدرتها العسكرية وإيجاد مساحات جديدة للصراع، وفي ظروف (العولمة الإعلامية) وتشابك الحياة على الكرة الأرضية أصبحت بلا شك تستعمل كسلاح إعلامي مؤثر على العقول والمواقف ووسيلة لشن حروب واسعة النطاق، لكون تطور هذه التقانات يعادل مخاطر السلاح النووي الذي كان سمة من سمات القرن العشرين.
ولم يعد ترفاً كمالياً زائداً رصد بعض الدول المتقدمة في ميزانياتها مخصصات للأمن الإعلامي تعادل بمستواها المخصصات التي ترصد لمواجهة أسلحة الدمار الشامل، على الرغم من اختلاف استعمال السلاح الإعلامي الذي يتسم بقدرته المؤثرة في الحرب عن الأشكال التقليدية من أسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن تطال المجتمعات في الصميم كوسيلة من وسائل الصراع القومي والعرقي والديني، الذي أصبح مرة أخرى يستنزف موارد ضخمة بدلاً من التوجه لخير البشرية وليس لتهديدها، والأمثلة كثيرة على ذلك في عالم اليوم ولا ينحصر تهديدها الواقعي على القوى البشرية فقط، بل اتسع ليشمل النظم الإعلامية الملوكة للدول والمنظمات والهيئات من قبل دول مسيطرة أخرى، من اجل تخريب تلك الأنظمة والتأثير على محتوياتها من معلومات وإتلافها، الأمر الذي يتطلب تنشيط الجهود الإيجابية المشتركة وأهميتها لإضعاف التأثيرات السلبية الجارية، من خلال تأثير دولة ما إعلامياً على نظم إدارة الصراع في غيرها من الدول نتيجة لتصاعد تقانات الاتصال المتطورة والسيطرة على الموارد الإعلامية والإمكانيات المعلوماتية والتقنية المتاحة، وطرائق التزييف ونشر معلومات أخرى منافية أو مضللة من خلال نظم تشكيل الرأي العام ومراكز صناعة القرار والعمل على إضعاف تأثيرها.