في خضم حرب الثمان سنوات التي فرضها النظام الدکتاتوري البعثي في العراق برئاسة صدام حسین في أیلول من عام 1980 علی حکومة وشعب الجمهوریة الإسلامیة في إیران عقب الثورة التي أطاحت بشاه إیران والتي یعتقد البعض بأنها أعطت ذریعة لصدام وأعوانه في نظامه الدکتاتوري لشن تلك الحرب الخاسرة علی النظام الجدید في طهران، عادت العلاقات الدبلوماسیة بین العراق والولایات المتحدة الامریکیة في الفترة الأولی من رئاسة الرئیس رونالد ریغان (1981-1989) في عام 1984.
تعد هذه العلاقات مع واشنطن من أشد ما کان یحتاج الیه النظام البعثي لمساعدته في البقاء في السلطة بعد أن أقدم قائده الأحمق المنتشي بوصوله لقصر الرئاسة کقائد أوحد للحزب و رئیس الجمهوریة في آن واحد علی حرب لم یتمکن من الانتصار فیها رغم الدعم الأمریکي المالي في تلك المرحلة الحاسمة من الحرب وفي مرحلة بارزة من العلاقات بین واشنطن وبغداد التي استمرت حتی مغامرة حمقاء أخری لنفس القائد الغبي ألا وهي غزو الکویت في الثاني من آب عام 1990.
وفي هذا الصدد یسمي نزار حمدون (1944-2003) وهو أول سفیر عراقي في أمریکا بعد عودة العلاقات بين البلدین هذه الحقبة من العلاقات بین بغداد و واشنطن بـ«مرحلة الدلال مع أميركا» التي هي في صمیم کتاب مذكراتە المعنون “رحلة حياة دبلوماسية ” وفیه یتحدث عن تطور العلاقة أو إعاقتها بين عراق «البعث» والولايات المتحدة التي حسب قوله «دفعت خمسة مليارات للنظام، بعد أن تحدث صدام مع مسؤول أميركي وقال له: نحن نتفهم حاجة إسرائيل للأمن»!. کما أن الكاتب يشرح التذبذب في اتخاذ القرارات (الغبیة) ویلقي باللوم علی قيادة نظام بلده في الإقدام على مغامرة احتلال الكويت، وهي «فترة سوداء داكنة» أدَّت إلى «كارثة كبرى حلت بالعراق» كما يرى.
المذكرات صَدرت هذا العام من دار الحكمة في لندن وهي مهمة لمن يهتم بتأريخ العراق الحديث کونها مثیرة للاهتمام وملیئة بالبيانات والوثائق الرسمية خاصة تلك التي لها صلة بمرحلة الدلال العراقي.
فبخصوص تلك المرحلة یفید حمدون بأن صدام حسين وقيادته الحزبية و الحكومية نددوا وهددوا الرئیس الامریکي رونالد ريغان (1911-2004) بقطع العلاقات مع بلاده التي اهتزت بسبب استقبال رسمي للرئیس مام جلال من قبل مسٶولي وزارة الخارجية الأمريكية وعقد اجتماع بین الجانبین في واشنطن سنة 1987. ذلك اللقاء الذي أدی الی حدوث مشكلة ووضع عقبة استراتيجية لإدامة شهر العسل الأمريكي العراقي بسبب انزعاج وتخوف وارتباك نظام صدام حسين و أركانه في وقته.
وبحسب ما کتبه حمدون في مذکراته اعتبر طارق عزيز الذي کان علی رأس الهرم الدبلوماسي لحزب البعث آنذاك، بأن اللقاء المذکور هو تهديد ووعيد للعراق وكيانه، ولولا أن العراق في حاجة ماسة للمساعدات الأمریکیة ودعمها العسکري لقطع هذه العلاقة.
یشیر السفير العراقي السابق بواشنطن في مذکراته الی أن الدكتور عبدالأمير الأنباري قد أکد في رسالة رسمية للرئيس رونالد ريغان وضمن اجتماعاته مع صانعي القرار بوزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي علی أن هذا الاجتماع قد یبدو صغيرا بالنسبة لأمريكا إلا أنه بالنسبة للعراق يعتبر تهدیدا لوجوده ووحدة أراضیه لأن ” العميل طالباني” و القول للأنباري في رسالته ” ليس شخصا عاديا وأن مساعدته تضر بالعراق ضررا هو أشد من أضرار إيران أو أي دولة اخرى”.
وبالنظر في الرسالة التي تشتمل علی أفكار ومقترحات في ثمان نقاط ، نری بأن هناك ذکر للرئيس مام جلال ومدی خطورته علی النظام العراقي آنذاك في کل نقطة. والأكثر دهشة من ذلك هو مطالبة نظام صدام حسين للإدارة الأمریکیة في البیت الأبیض بالتعهد لمنع تكرار لقاء مماثل في المستقبل. وهذا دليل علی مكانة وقوة الرئيس مام جلال أيام النضال ضد الدكتاتورية وقوة شخصيته والكاريزما التي اتصف بها وقیمة قيادته الفذة ليس لکوردستان والعراق فحسب و إنما للمنطقة ککل.
یعد نزار حمدون الذي کان قیادیا بعثیا الرجل اللامع لنظام البعث في واشنطن ونيويورك في فترة مهمة من تاريخ العراق الحديث وبالتالي تکتسب مذکراته أهمیة خاصة إذ یوضح فیها القيادة الفاشلة لنظام صدام حسين وأركانه وسلوك قائدهم الأوحد العدواني والمتهور ضد شعبه وهدره لثروات بلده في حروب لا طائل منها في سبیل نزعة قبلیة متخلفة ونزولا عند رغبة إرضاء شخصيته النرجسية وعلی وجه الخصوص غزو الكوت وقتل مئات الآلاف من العراقيین و التدمیر الشامل للبلد.
ویتضمن الکتاب في طیاته ذکر أسماء الذين کان لهم دور في دمار العراق وخرابه من وراء شخصنة صدام وتمجيده أمثال طارق عزيز ولطيف نصيف جاسم وعلي حسن المجید الملقب بعلي الكيمياوي وحسين كامل وآخرین من الذین ظلموا وتبین لنا کیف فعل اللە بهم وفي ذلك عبرة لأولي النهی.