الكاتب..سلام مكي
إن المنظومة التشريعية العراقية زاخرة بالنصوص المهمة والناضجة التي تغطي الوقائع والحوادث التي يفترض حدودها أو التي تحدث يوميا، سواء كان حدوثها داخل مجتمع مصغّر، كالتي تخص الوظيفة العامة مثلا، فهي أحداث داخل مجتمع محدد، والنصوص التي وضعها المشرع تطبق على فئة الموظفين فقط، لا الجميع. وهناك نصوص يفترض حدوثها في الشارع والمدرسة والعمل، وكل مفاصل الحياة، فجرائم القتل مثلا، أو الدهس، يمكن أن تحدث في كل مكان. والمشرع العراقي، عبر قانون العقوبات، تضمن الكثير من النصوص الزاخرة بالتطور والقدرة على مواكبة العصر، والاستعداد للتجدد المستمر، وهي ميزة مهمة في هذا القانون، والتي جعلته يبقى صامدا طوال أكثر من خمسين عاما، عدا بعض التعديلات التي شملت بعض نصوصه.
بالمقابل، هنالك نصوص في القانون، تجعلنا نشعر بالحيرة والغرابة، خصوصا بعد تطبيقها من قبل القضاء. فمثلا القانون في المادة 405 عاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من يقتل نفسا عمدا. وفي المادة 307 عاقب الموظف الذي يطلب رشوة أو منفعة أو ميزة بالسجن مدة لا تزيد على 10 سنين أو بالحبس أو بالغرامة، ثم تم تعديل هذه المادة من قبل مجلس قيادة الثورة المنحل بالقرار 160 لسنة 1983 المعدل بالسجن مدة لا تزيد على 10 سنين. ثم إن قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 609 لسنة 1989 اعتبر أن القاتل مدانا، ومن يرتكب إحدى الجرائم المصنفة على أنها مخلة بالشرف مجرما! فمن يقوم بتحرير صك دون رصيد، مجرم! ومن يقتل نفسها بغير حق، مدانا! رغم أن قتل النفس أشد بشاعة، وأكثر وقعا وتأثيرا في المجتمع، كما إن حياة الانسان أثمن وأغلى من أي شيء في الكون، وعند الله أهم من الكعبة، فكيف يمكن وصف القاتل بالمدان والذي يقوم بتحرير صك دون رصيد، أو من يطلب رشوة من آخر أو من يسرق يوصف المجرم! أليس القاتل أولى بوصف المجرم بدل من مرتكب تلك الجرائم التي لا تعد شيئا إزاء حياة الانسان؟ فالقانون، يفترض به أن يحمي حياة الانسان بالدرجة الأساس، ويفرض أشد العقوبات على من يعتدي على انسان آخر، بعد ذلك يأتي المال الذي هو أدنى مرتبة بالحماية.
فالقانون العراقي، يصف القاتل بأنه مدان والذي يطلب من آخر مبلغا من المال مجرما! أي بمعنى أن مال الانسان أهم من حياته!
الغرابة الأخرى أن بعض الأحكام التي أطلعت عليها، فمثلا شخص قتل قريبته، بالخطأ، وآخر قتل أخاه، لكن لا وجود لمشتكٍ، فجميع أهل المقتولين لم يطلبوا الشكوى ضد القاتل، وبالتالي بقي الحق العام فقط، على هذا الأساس تم تخفيف العقوبة الى 7 سنوات فقط! في المقابل، هنالك موظف حكم عليه وفقا للقرار 160 لسنة 1983 المعدل، كونه طلب من مواطن رشوة! والحكم كان أيضا سبع سنوات!! فهل يعقل أن حياة الانسان تتساوى مع أمواله أو محاولة التعدي عليها دون وجه حق؟ أليس من الأجدر بالقانون ألا يساوي بين حياة الانسان وأمواله؟!
المصدر ..العالم الجديد