الكاتب: حيدر خليل
وأنتَ تزورُ (مدينة الصدر) وبالتحديد قطاع 14، لا بد من ارتياد (مقهى مسلم) وتسمع الجميع يتحدث باللغة الكوردية وأصوات نرد الطاولي، وصوت إستكان الجاي، الاصوات تعلو ضحكًا بموت (الدوشيش) .
ولكن بسبب سياسات النظام البعثي الشوفيني في حق الكورد في العراق، تم تسفيرهم وتهجيرهم من مدنهم ومناطقهم وقراهم، باتجاه غرب أو جنوب العراق، ومصادرة ممتلكاتهم واراضيهم، البعض استطاع الهرب خارج العراق، ومنهم لم تسعفهم أوضاعهم على ذلك، فكانوا مرغمين لمرافقة العسكر الى مناطق يتم اختيارها من قبل النظام، وبدأت المعاناة فيما بعد في التنقل من مكان الى مكان حتى استقروا في المحافظات والمناطق في غرب وجنوب العراق .
ولهذه التنقلات اثرها، إذ ادى إلى إنشاء أحياء كوردية اخذت اسمها منهم. ففي اغلب المحافظات العراقية تجد حيًا باسم (حي الأكراد) كالأنبار، والسماوة، وذي قار، والبصرة، وبغداد .
في بغداد يتوزع الكورد بشكل رئيسي في اربعة أحياء، ومع وجود المكون في مناطق مختلفة من بغداد، لكن يتركزون بشكل أكبر في (مدينة الصدر، والكفاح، وشارع فلسطين، وحي جميلة). ففي مدينة الصدر يوجد حيًا كبيرًا بإسم (حي الأكراد) وأغلب ساكنيها هم من مدن خانقين ومندلي وبدرة وجصان والقليل من كركوك .
التقسيم الاداري لمدينة الصدر يتكون من عدد من القطاعات تبدأ من قطاع ( 1 وحتى قطاع 79)، و بعد إسقاط النظام السابق، استحدث قطاعان وهما ( صفر و 80) .
و حي الأكراد يمتد من (ساحة 55 حتى الاورزدي)، وتشمل قطاعات ( 10، 13، 18، 56، 57، 58)، وتعد هذه القطاعات هي الأغلى من حيث بيع وشراء العقارات لانها الانظف والأقل مشاكل اجتماعية وعشائرية .
ونظرا للوضع الاجتماعي تقرّب الكورد من بعضهم من بعض بسبب لغتهم إذ أن أغلبهم ، لم يجيدوا اللغة العربية، فتقربوا من بعضهم البعض بغض النظر عن المناطق التي تم تهجيرهم منها، وتطورت علاقاتهم من خلال المصاهرة مع العشائر الأخرى وبقية المناطق التي هجّروا منها، فكوّنوا حلقة قوية فيما بينهم .
وبمرور الوقت ومجيء جيل جديد، بدأت اللغة الكوردية في التراجع، إلا عند كبار السن، الذين يرتادون بعض المقاهي في (حي الأكراد) ويتحدثون باللغة الكوردية .
وبدأت العلاقات الاجتماعية تتوسع وتخرج خارج الاطار الكوردي، وكان لملاحقة النظام البعثي للعشائر الكوردية سبب، إذ كانت هناك سبعة عشائر عليها علامة ( ×) من قبل النظام السابق، فاضطر الكثير من أبناء هذه العشائر للانصهار مع العشائر العربية حفاظًا على حياتهم واموالهم وتجارتهم .
وأيضاً بدأت اللغة الكوردية بالتراجع شيئاً فشيئا بسبب البيئة الجغرافية، والمدارس العربية، والعادات والتقاليد الا القلة منهم حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم قدر الامكان، ولكن اختفت الكثير منها للأسف ولأسباب كثيرة أهمها: الانصهار التام مع العرب والاختلاط بهم. ولكن بقيّت بعض منها على سبيل المثال : (عند وفاة شخص ما، ويمرُّ أول عيد علي وفاته ، كان الكورد يزورون أهل المتوفى لمواساتهم، ومعربين عن وقفهم معهم في حزنهم رغم الافراح بالاعياد. و كانت الأعراس لا تتم إلا بالدبكة الكوردية، التي اختفت تماماً واصبحت من الفلكلور .
الكورد معروفون بمدنيتهم واحترامهم وتطبيقهم للقوانين، والعمل بروح قومية، لكن في الآونة الأخيرة، بدأت تضمحل الروح القومية ونشأ التعصب العشائري والقبلي، بل واحتدم الصراع بين العشائر الكوردية في بغداد .
وعلى الرغم من ان الكثير من المشاكل التي واجهت الكورد في بداية وجودهم في مدينة الصدر، إلا أنهم تعايشوا مع العرب بكل حب وسلام ومحبة واخوية، وتصاهروا فيما بينهم .
أما على المستوى الثقافي فخرج الكثير من المثقفين الكورد من (حي الأكراد) في مدينة الصدر، من كُتّاب وأدباء وصحفيين ومثقفين بارزين .
أما ما يفتقده الكورد في مدينة الصدر وبغداد بشكل عام، على المستوى الثقافي هو ابتعادهم عن تعلم لغتهم الأم، على الرغم من الانفتاح الكبير، وعدم الخوف من النظام، وتسهيل وسائل التعليم والاختلاط مع الكورد في كوردستان، خصوصا أن كوردستان أصبحت وجهة سياحية وتجارية لأهل بغداد وخصوصا الكورد منهم .
أما على المستوى السياسي يفتقد الكرد الفيليون التمثيل السياسي الحقيقي في البرلمان، والسبب هو التعصب القبلي وتشتتهم بين الأحزاب السياسية الأخرى التي لم تقدّم شيئاً للكورد في بغداد، أو تعيد لهم الحقوق التي سلبها منهم النظام السابق .