ريبين عمر
ليس هناك سوى القليل ممن لم يسمعوا باسم وصيت تلك السيدة السياسية، فكلما ذُكرت لا تُذكر معها إلا العزيمة والتصميم والوفاء والوطنية.
هيرو إبراهيم أحمد، المرأة الحديدية المعتدة بنفسها التي لم تفقد ثقلها ومكانتها سواء أكانت في منصب أم لا ولم تظهر عاجزة ولو لمرة واحدة.
هي من صنف الشخصيات التي لا تلدها المجتمعات إلا نادرا، خصوصا المجتمعات التي تطغى عليها الصفة الذكورية، هيرو خان ومن رحم تلك المجتمعات أمست أنموذجا رائعا للمشاركة النسوية الحقيقية في الحياة السياسية.
متينة وصلبة في الجبل وكذلك في المدينة
تخلت مع بدايات انطلاق الثورة -كما تذكر في مقابلة- عن حياتها الشخصية الناعمة رفقة زوجها الرئيس مام جلال، وأضحت منذ العام 1970 من القرن الماضي شريكة مواظبة لثورة شعبها وعانت في سبيل ذلك الكثير من الويلات والمتاعب لكنها أبت إلا أن تستمر وتكمل المشوار.
لم تنعم بإحساس الأمومة مع طفليها كبقية النساء لحملها سلاح الثورة في جبال كردستان الوعرة لتغدو هيرو خان بذلك ملكة الثورة غير المتوجة وأنموذجا قيما للمرأة الثورية في كردستان.
“داده” متواضعة وزاهدة
وسط أوهام السلطة ومغرياتها، لم تتبدل هيرو خان أو تتغير ولو لمرة واحدة بل بقت كما هي متواضعة وزاهدة، يروون عنها أنها كانت تشعر بسرور بالغ في المنتديات والملتقيات حين ينادونها بداده -لفظة يطلقها المجتمع الكردي على الأخت الكبيرة- بعيدا عن الألقاب والكنى، لأنها ولدت أساسا من مخاض شعبها ووطنها.
لذا لم تقدر المراتب والمناصب والسلطة من إغواء تلك المرأة الحديدية والسياسية، بحيث أصبحت مثالا مغايرا للعمل السياسي ومواجهة الفكر الذكوري في المجتمع.
في فترة مرض ولاحقا وفاة الرئيس مام جلال، الذي كان حصنا منيعا للاتحاد الوطني وشعب كردستان، هبت هيرو إبراهيم أحمد بوصفها السيدة الوحيدة بعزيمة وصلابة لتكافح وتواجه فكرة تفكك الاتحاد الوطني وبقت كجبل يحصن الاتحاد بعيدا عن التكتلات داخل الحزب الواحد ومنعت السفينة من الغرق. ليس هذا فحسب بل بقت تحافظ بحنكتها وحكمتها على سياسة شدة الورد التي تبناها الرئيس مام جلال.
وفي الحياة المدنية، قدمت هيرو خان خدمات جليلة وكبيرة للفن والتراث الكردي الأصيل عبر دعم تنمية القدرات وإيجاد مساحة يجد الشباب فيها أنفسهم ويطورن مهاراتهم، ولها مواقف مشهودة في الحياة الإنسانية من خلال حماية حقوق الأطفال والكبار والمشردين. لم يقتصر دورها في المجالات المذكورة فحسب بل تعدى ذلك بكثير ومنها الاهتمام بالآثار والمتاحف والتراث الكردي القديم.
لقد جسدت هيرو خان ثورة عارمة في مجال حماية تيار تقدم المجتمع وتراثه الشعبي.
هناك من السياسيين من تورطوا في نهب ثروات هذا البلد، لكن اهتمام هيرو خان انصب علي ترسيخ حقوق الطفل ومنع هدم مبنان تهم ماضي السليمانية كـمبنى(الأمن الأحمر). كانت بحق تحمل على عاتقها مسؤولية الجميع صغار وكبار.
هيرو خان كانت لوحدها قلعة منيعة لمدينة المدن، طالما كانت تؤمن بضرورة خدمة السليمانية وسائر مدن كردستان. كانت ترى بأن هذا الشعب المظلوم قدم من التضحيات الشيئ الكثير، ولا ينبغي تهميشه وعدم خدمته.