*محمد شيخ عثمان
قبل سن الدستور العراقي بسنوات (الذي يؤكد على الديمقراطية)، اختار شعب كردستان هوية الديمقراطية و الاتحادية كنظام للحكم واصبح الاقليم واحة ومثالا للحريات والديمقراطية في المنطقة تضرب به الامثال كاسبرطة الشرق الاوسط دعما لشعب كردستان ولاستجابة الاقليم للقيم الديمقراطية وحقوق الانسان وبالتالي اصبحت الهوية الديمقراطية للاقليم من سماته ودعائم ديمومته وركائز الدعم الدولي له ،لذلك فان التخلي عن القيم الديمقراطية والحريات يفرغ مكانة وثقل الاقليم من محتواه ولابد من السير بثبات وحزم لحماية تلك الهوية الرصينة وعدم طمرها بسياسات التفرد العوجاء والتسلط الاوليغارشية واعتبار المواطن والمواطنة محورا اساسيا من اركان الحوكمة .
منذ اكثر من اسبوع وهناك احتجاج واضراب للمعلمين وموظفين يطالبون بانصاف حقهم وحق جميع موظفي اقليم كردستان في حل مشكلة رواتبهم وتوطينها ونبذ المحاولات التي لاتأبه بالتاخير والتقصير وان تعامل وتفاعل وتآزر الاتحاد الوطني الكردستاني من القيادة من حيث تفقد الرئيس بافل طالباني لهم وصولا الى القاعدة ،مع هذه الظاهرة الديمقراطية اثبات لهويته الحقة في احترام حق المواطن في التعبير، والاحتجاج، والإضراب، وادراك بان الديمقراطية ليست مجرد شعارات، بل ممارسة فعلية تعكس التزامها بمبادئ الحكم الرشيد والاعتراف بهذا الحق من صميم مسؤولياته على مستوى الحكومة والحزب ودليل على انه لايخشى النقد أو الاعتراض، بل يرى فيه وسيلة لفهم نبض الشارع والتفاعل مع احتياجات المواطنين بجدية ووعي وهو لم يدخر جهدا من اجل حل مشكلة الرواتب واصلاح الوضع المعيشي للمواطن وهو عاكف على تثبيت ستراتيجيته هذه في البرنامج الحكومي الجديد الذي يريدها حكومة خدمية حقيقية فاعلة تؤمن بالشراكة و الحكم الرشيد.
الأنظمة الديمقراطية الحقيقية تعتبر الاحتجاج السلمي والإضراب من الأدوات المشروعة التي يمكن من خلالها تصحيح المسار، وحل الأزمات، ومعالجة المشكلات من جذورها، فالسلطة التي تنظر إلى هذه الحقوق بعين الاحترام والمسؤولية، هي سلطة تسعى إلى تطوير المجتمع، لا إلى إسكات الأصوات أو تكميم الأفواه.
بالمقابل، فإن الجهات التي ترتعد من النقد وتواجه الاحتجاجات بالقمع والعنف وتستهزا منها وتكيل لها شتى الاتهامات العبثية ولاتبالي بهموم المواطن في اية بقعة من الاقليم فهذه تعكس هشاشتها وضعف إيمانها بالديمقراطية، وغالبا ما تكون منفصلة عن الواقع، وغير قادرة او مهتمة بتقديم حلول جادة للمشكلات.
التعامل مع حرية التعبير والاحتجاج بمنتهى المسؤولية لا يضعف الاقليم، بل يجعله أكثر استقرارًا، لأن المجتمع الذي يمتلك قنوات حرة للتعبير والمطالبة بالحقوق هو مجتمع أكثر تماسكا وقدرة على مواجهة التحديات بطريقة سلمية وعقلانية.
ان افضل سبل للتعامل مع تلك الاحتجاجات ومآخذ جميع الموظفين والكسبة لاتتوقف عند الاقرار بحقهم في ذلك فحسب بل تتطلب خطوات مسؤولة ووطنية جادة في بناء صرح جديد لحكومة شراكة حقيقية في الاقليم تاخذ على عاتقها ارساء دعائم الحكم الرشيد ومكافحة الفساد والتلكوء ومحاسبة المقصرين مع اعادة روح الديمقراطية الحقة الى فضاء الاقليم بصورة عامة حماية للمكتسبات ونهاية لهموم الوطن والمواطن و سبيلا لتعزيز ثقة المجتمع الدولي بديمقراطيتنا وتجربتنا.
رئيس تحرير مجلة (المرصد)