حيدر خليل سوره ميري
في خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة، والتحذيرات المستمرة من اندلاع حرب شاملة قد تعصف بالمنطقة برمتها، يواجه العراق تحديات داخلية خطيرة لا تقل خطورة عن التهديدات الخارجية، وعلى رأس هذه التحديات الاستهداف المتكرر للحقول النفطية والغازية في إقليم كوردستان، والذي يمثل جريمة سيادية لا يمكن السكوت عنها أو تبريرها.
إن النفط والغاز ليسا مجرد موارد اقتصادية، بل هما عصب الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق، وأي اعتداء على هذه الموارد هو اعتداء مباشر على الأمن القومي العراقي. وتزداد خطورة هذه الاعتداءات حين تكون موجهة من أطراف داخلية، تتذرع بالشعارات والمواقف السياسية، بينما هي في حقيقتها تسهم في إضعاف الدولة وتقويض مفاوضات الحل بين الإقليم والحكومة الاتحادية.
في الوقت الذي تسعى فيه الاحزاب الكوردستانية والحكومة الاتحادية لحل المشاكل العالقة وإيجاد حلول واقعية لملفات معقدة مثل الرواتب، والموازنة، والنفط، والعقود الدولية، فإن ضرب البنية التحتية الحيوية في الإقليم يوجه رسالة خطيرة إلى الداخل والخارج، مفادها أن الدولة العراقية غير قادرة على حماية ثرواتها أو ضمان وحدة قرارها السيادي، وبالتالي تؤثر على الثقة بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية .
هذا النوع من السلوكيات، سواء كان من فصائل مسلحة أو من أطراف تغذي الصراع تحت غطاء سياسي أو عقائدي، لا يخدم إلا أعداء العراق في الداخل والخارج، ويعزز الانقسام السياسي والجغرافي والاجتماعي، ويعطي الذرائع للتدخلات الخارجية .
الأخطر من ذلك أن هذا الاستهداف يضر بمكانة العراق في سوق الطاقة العالمية، ويفقد ثقة المستثمرين والشركات الدولية، ويضعف موقف بغداد في التفاوض مع شركائها. فما الرسالة التي تُرسلها بغداد حين تُستهدف حقول الإقليم، ولا يصدر موقف حاسم وواضح من الحكومة المركزية؟ وما مصير المساعي لإعادة بناء الثقة بين الإقليم والمركز إذا كان الحوار يُقابل بالتفجير والتخريب؟
إن المطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو موقف وطني جامع يضع حداً لهذه التجاوزات، ويؤسس لعقد سياسي جديد يُعيد الاعتبار للدولة وهيبتها، ويضمن سلامة مؤسساتها وثرواتها من عبث العبثيين.
وإلا، فإن العراق ماضٍ نحو منزلق خطير، قد لا ينجو منه أحد، وستكون فاتورته باهظة على الجميع.