فرست عبدالرحمن مصطفى/دهوك
(تحويل مسار الثورة بقرار الاشخاص أم الثورة من اجل الاشخاص؟؟؟)
هناك الكثير من المحللين يدعون بان الكفاح المسلح الذي كان في شمال كوردستان و حسب تحليلاتهم كان كفاحا من اجل قائد الثورة و بكلمته انهارت الثورة وسلم ارادة شعب باكملها بيد عدو لم ولن يتعرف على الانسانية منذ بدايته ولن يرحم الكورد ابدا، علما هؤلاء هم من كانوا يقولون يوما على الحزب العمال الكوردستاني PKK ان يسلوا اسلحتهم لان لا جدوى من نظالهم فهم لا يخدمون غير اعداء الكورد.
على اية حال دعونا نتصفح التاريخ ونرجع قليلا الى الوراء سنرى أن أغلب الثورات التي غيّرت أنظمة سياسية كانت إما مسلحة بالكامل، أو سلمية بالكامل، أو هجينة. لكن هناك حالات لثورات أو حركات تمرد بدأت مسلحة أو عنيفة جزئيًا ثم غيّرت تكتيكها إلى السلمية (أو إلى الأقل عنفًا) وحققت تغييرًا سياسيًا.
لكن من المهم القول إنه نادر جدًا أن يكون التحول من المسلح إلى السلمي وحده كافيًا لإسقاط النظام فورًا – غالبًا يكون ذلك جزءًا من مسار تفاوضي أو ضغط داخلي/خارجي طويل. وعدم ايجاد من يناصرهم من الخارج نتيجة المصالح السياسية او الاقتصادية او ….الخ.
هناك أمثلة مهمة أو مقاربة لما حصل مع PKK في بعض الدول و من ضمنها:-:
1. جنوب أفريقيا (نهاية الأبارتايد):- من الكفاح المسلح إلى التفاوض السلمي. 1948م – 1994م.
الحدث: نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) الذي فرضته حكومة الأقلية البيضاء ضد الأغلبية السوداء.
الحركة الرئيسية: المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC)
المرحلة المسلحة:- بعد عقود من النضال السلمي، قرر المؤتمر الوطني الأفريقي عام 1961 إنشاء جناح مسلح اسمه “رمح الأمة” (Umkhonto
we Sizwe). قام هذا الجناح بعمليات عنيفة ضد منشآت حكومية والبنية التحتية، وليس استهدافًا مباشراً للمدنيين. والنظام رد بحملة قمع عنيفة،
واعتُقل نيلسون مانديلا عام 1962، وأمضى 27 سنة في السجن.
تراجع الكفاح المسلح:- بحلول الثمانينيات، واجهت المقاومة المسلحة مأزق الضغط الداخلي من القمع، ورفض دولي لاستخدام العنف. في المقابل،
ازدادت فاعلية النضال الجماهيري السلمي من مظاهرات و إضرابات وحركات طلابية وحملات العصيان المدني ودعم الكنيسة ومقاطعة دولية
للنظام.
التحول إلى المسار السلمي:- خلال أواخر الثمانينات، بدأ حوار غير رسمي بين قيادات ANC (من داخل السجن والمنفى) والحكومة. في 1990،
أطلق الرئيس دي كليرك سراح مانديلا ورفع الحظر عن ANC. من 1990–1994 جرت مفاوضات شاملة.
المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) كان عنده جناح مسلح (رمح الأمة) شن عمليات عنيفة وهجمات في الستينيات والسبعينيات. وفي الثمانينيات
شهدت تصاعدًا في العنف، لكن الحركة غيّرت المسار جزئيًا إلى إستراتيجية مقاومة جماهيرية سلمية واسعة وإضرابات ومظاهرات ومفاوضات.
وعندما جرى الانتقال فعليًا في التسعينيات كان الجناح المسلح قد أوقف نشاطه تقريبًا، وركزت القيادة على التفاوض.
و النتيجة:- إلغاء نظام الأبارتايد. و إجراء أول انتخابات ديمقراطية شاملة عام 1994. وتسلم نيلسون مانديلا السلطة بطريقة سلمية. و ايضا تحوّل
المؤتمر الوطني الأفريقي من حركة مسلحة إلى حزب سياسي حاكم حتى اليوم.
الدروس من هذه الحالة:-
a. التحول من المسلح إلى السلمي لا يعني التنازل، بل قد يكون تطورًا تكتيكيًا.
b. العمل السلمي الجماهيري قد يكون أكثر فاعلية إذا تهيأت الظروف الدولية والمحلية.
c. وجود قيادة عقلانية (مثل مانديلا) ساعد على إنجاح الانتقال.
.
2. نيبال (الحرب الأهلية ثم التحول السياسي) او من التمرد المسلح إلى جمهورية ديمقراطية:-
1996–2006 (الحرب الأهلية)، ثم عملية سياسية حتى 2008 وما بعدها. في 2006 عقد المتمردون اتفاق سلام، وحولوا استراتيجيتهم إلى
العمل السياسي السلمي وشاركوا في العملية الدستورية وأسقطوا الملكية وأسسوا جمهورية.
الحدث:- تمرد ماوي مسلح ضد النظام الملكي في نيبال.
الحركة الرئيسية:- الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي).
المرحلة المسلحة:- في عام 1996 أعلن الماويون “حرب الشعب” لإسقاط الملكية وإنشاء جمهورية شيوعية. وحدث صراع دموي خلّف نحو 13
ألف قتيل و انتشرت سيطرة الماويين في الأرياف، بينما بقيت المدن تحت سيطرة الدولة.
العوامل التي دفعت للتحول:
• استنزاف اقتصادي وبشري للطرفين.
• ضغط المجتمع المدني والأحزاب التقليدية لإنهاء الحرب.
• ضغط دولي (خصوصًا الهند والأمم المتحدة).
• انقلاب ملكي (2005) أعاد توحيد القوى المناهضة له.
التحول إلى المسار السلمي:- في 2006 وقعت الأحزاب النيبالية والماويون اتفاق سلام شامل. نص الاتفاق على وقف إطلاق النار، نزع سلاح
الماويين تحت إشراف أممي، ودمجهم سياسيًا. وتم تشكيل حكومة مؤقتة ضمت الماويين.
و النتيجة:- إلغاء الملكية في 2008 وإعلان الجمهورية. و كتابة دستور جديد. فاز الماويون بأكبر عدد من المقاعد في أول انتخابات للجمعية
التأسيسية. و تحولوا إلى حزب سياسي شرعي.
الدروس من هذه الحالة:-
a. حتى التمرد المسلح الأيديولوجي يمكن أن يتحول إلى عملية سلمية إذا توفرت تسوية شاملة.
b. نزع السلاح التدريجي وضمانات دولية ساعدا في بناء الثقة.
c. إشراك المتمردين في كتابة الدستور كان مفتاحًا للاستقرار.
3. إيرلندا الشمالية (الصراع/الـ Troubles):-
الفترة:- 1969 – 1998 (اتفاق السلام).
الحدث:- نزاع مسلح وطائفي بين الكاثوليك (الذين أرادوا الانضمام إلى جمهورية أيرلندا) والبروتستانت (الذين أرادوا البقاء في المملكة المتحدة).
الحركة المسلحة:- الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) – جناحه السياسي: حزب “شين فين”.
المرحلة المسلحة:-
الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) خاض تمردًا مسلحًا طويلًا ضد بريطانيا و شنّ هجمات على قوات الأمن و الأهداف المدنية، شملت
تفجيرات وخطف واغتيالات. و في التسعينيات انتقل إلى وقف إطلاق النار وتفاوض (اتفاق الجمعة العظيمة 1998). شمل الاتفاق آلية سياسية
وتقاسم سلطة، أنهت فعليًا الحرب. و سقط أكثر من 3,500 قتيل خلال فترة تُعرف باسم “ الـ Troubles”. الدولة البريطانية ردت بقوة حيث
قامت باعتقالات واسعة، رقابة مشددة، دعم للجماعات المسلحة المقابلة.
اسباب تحول مسار الثورة:-
الإرهاق من الصراع المسلح في جميع الأطراف.
تنامي شعبية حزب شين فين ومطالبه السياسية.
الوساطة الفعالة من حكومتي بريطانيا وجمهورية أيرلندا، ودعم من الولايات المتحدة.
الرغبة في الخروج من حالة الشلل السياسي والاقتصادي
الانتقال الى المسار السلمي:-
اتفاقيات هدنة متكررة مطلع التسعينيات.
مفاوضات شاملة ضمّت أطرافًا متناحرة.
اتفاق الجمعة العظيمة (1998): اتفاق تاريخي رعته بريطانيا وأيرلندا وأمريكا.
النتيجة:-
تقاسم السلطة بين الكاثوليك والبروتستانت في حكومة محلية.
نزع سلاح الجيش الجمهوري (IRA) تحت إشراف دولي.
استمرار إيرلندا الشمالية ضمن المملكة المتحدة مع خيار الاستفتاء لاحقًا.
تحول حزب “شين فين” إلى لاعب سياسي أساسي.
الدروس من هذه الحالة:-
a. النجاح كان نتيجة صفقة شاملة، لا تنازل أحادي.
b. نزع السلاح التدريجي دون إذلال المقاتلين.
c. الحلول المؤسساتية (تقاسم السلطة، شرطة جديدة) كانت مفتاحًا للثقة.
4. السلفادور:-
الفترة:- 1980–1992 الحرب الأهلية، تلتها مرحلة سياسية.
الحدث:- حرب أهلية بين حكومة يمينية مدعومة من أمريكا، وحركة ماركسية مسلحة.
الحركة المسلحة:- جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني (FMLN).
جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني (FMLN) كانت حركة تمرد مسلح. في 1992 عقدت اتفاق سلام وتحوّلت إلى حزب سياسي. لاحقًا فازت
بالانتخابات الرئاسية.
المرحلة المسلحة:-
FMLNنفذت تمردًا مسلحًا واسعًا استمر 12 سنة.
استخدمت حرب العصابات ضد الجيش والشرطة و”فرق الموت”.
75,000 قتيل، بينهم آلاف المدنيين – من أسوأ حروب أمريكا اللاتينية.
اسباب تحول مسار الثورة:-
تعادل عسكري غير محسوم.
ضغط شعبي ودولي لإنهاء الحرب.
سقوط الاتحاد السوفييتي قلل دعم اليسار، وتغير توجه أمريكا بعد الحرب الباردة.
تدخل الأمم المتحدة عبر بعثة الوساطة.
الانتقال الى المسار السلمي:-
اتفاق وقف إطلاق النار برعاية أممية (مفاوضات مكسيكو).
اتفاقيات السلام النهائية في تشابولتبيك (1992):
نزع سلاح FMLN.
إصلاح الجيش والشرطة والقضاء.
ضمان مشاركة FMLN في الانتخابات كحزب شرعي.
والنتيجة:-
تحول FMLN إلى حزب سياسي.
فاز لاحقًا في الانتخابات (الرئاسة عام 2009 و2014).
مشاركة مستقرة ضمن النظام الديمقراطي.
الدروس من هذه الحالة:-
a. الإصلاح المؤسسي شرط للسلام.
b. إشراف دولي مباشر كان ضروريًا لضمان التطبيق.
c. الانتقال لا يعني الانصهار بل الاعتراف المتبادل بين خصوم الأمس.
5. كولومبيا (السلام الصعب بعد اطول حرب عصابات):-
الفترة:- 1964–2016 (الصراع)، ثم مرحلة السلام.
الحدث:- تمرد القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) ضد الدولة.
الحركة المسلحة:- FARC – حركة ماركسية ثورية، استخدمت التمرد والاختطاف وتهريب المخدرات.
المرحلة المسلحة:-
أطول حرب عصابات في أمريكا اللاتينية.
حرب متعددة الأطراف: الجيش، الميليشيات اليمينية، حركة FARC، والمافيا.
أكثر من 220,000 قتيل، ملايين المشردين.
كانت FARC تموّل نفسها من المخدرات والخطف و”الضرائب” في مناطق نفوذها.
القوات المسلحة الثورية (فارك) بدأت مسلحة تمامًا. و بعد مفاوضات طويلة وافقت على نزع السلاح والتحول إلى حزب سياسي في 2016. علما
ان النظام نفسه لم يسقط تمامًا، لكن تغيّر بتعديل دستوري وبإدماجهم.
اسباب تحول مسار الثورة:-
فشل كل طرف في الحسم العسكري.
مبادرات سلام متعددة فشلت قبل 2010.
انتخاب الرئيس خوان مانويل سانتوس الذي جعل السلام أولوية.
دعم قوي من كوبا والنرويج كميسّرين، وضغط أمريكي وأممي.
الانتقال الى المسار السلمي:-
مفاوضات في هافانا لعدة سنوات.
اتفاق سلام شامل (2016):
نزع سلاح FARC تحت إشراف الأمم المتحدة.
تحويل FARC إلى حزب سياسي.
تعويض الضحايا، برامج إعادة تأهيل للمقاتلين.
إدراج عناصر في البرلمان مؤقتًا كجزء من الانتقال.
النتيجة:-
توقيع السلام – لكن الشعب رفضه مبدئيًا في استفتاء، فتم تعديله وتطبيقه لاحقًا.
تخلت FARC عن السلاح وتحولت إلى حزب (حاليًا كومنيس).
استمرار تحديات في بعض المناطق بسبب مجموعات منشقة وعنف غير سياسي.
الدروس من هذه الحالة:-
a. الدمج السياسي لا يكفي دون إصلاح اجتماعي.
b. استفتاء السلام يعكس هشاشة المصالحة.
c. التحول من المسلح إلى السياسي يحتاج صبرًا وتدرجًا.
اذا هناك سوابق تاريخية مهمة لحركات بدأت مسلحة ثم تحولت إلى السلمية ونجحت في تغيير الأنظمة أو إصلاحها جذريًا. و عادة ما يكون هذا
الانتقال جزءًا من تسوية تفاوضية، لا مجرد مظاهرات سلمية بحتة بعد العمل المسلح. و هذا النوع من التحول ينجح غالبًا حين يكون هناك إرهاق من الحرب، ضغط دولي، أو ربما استعداد متبادل للحل السلمي.

