كتب / بشير علي
في تطور خطير هز كيان الدولة مجددا، شهدت العاصمة بغداد، خرقًا أمنيًا خطيرًا إثر اشتباكات محدودة بين فصائل مسلّحة داخل منطقة حكومية حسّاسة، على خلفية تغييرات إدارية في وزارة الزراعة، تحديدًا منصب مدير عام الدائرة الزراعية. الحادث الذي ادى الى سقوط ضحيتين، أثار موجة قلق عارمة في الأوساط السياسية والشعبية، وأعاد تسليط الضوء على التداعيات التي يمثلها التأثير المتصاعد للفصائل المسلحة في مفاصل الدولة العراقية، وحجم تغلغلها في المؤسسات المدنية.
شرارة الخلاف: التعيين بدل الكفاءة
مصادر حكومية مطّلعة، كشفت إن الاشتباكات اندلعت بعد صدور قرار من وزارة الزراعة بتغيير مدير عام دائرة الزراعة في بغداد، وهو منصب فني بحت يفترض أن يكون بعيدًا عن الاستقطابات السياسية. إلا أن الخلفية السياسية للمدير المقال، المحسوب على أحدى الفصائل النافذة، كانت وراء تفجّر الأزمة التي سرعان ما ترجمت إلى استعراض عسكري مسلح داخل العاصمة.
القوات المنتمية للفصيل المتضرر حاولت فرض الأمر الواقع بالانتشار قرب مقر الدائرة، لتواجه بتحرك موازٍ من فصيل آخر محسوب على الجهة التي دفعت باتجاه التغيير الإداري. ما استدعى تدخلًا من قوات الأمن الرسميّة التي نجحت بعد عناء في احتواء الموقف ، لكنّ صور العناصر المسلحة داخل محيط وزاري مدني، بثياب عسكرية وأسلحة متوسطة، انتشرت كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي، مخلفة وراءها موجة من السخط الشعبي.
رد فعل رسمي: الإدانة دون مساءلة
رئاسة الوزراء أصدرت بيانًا وصفت فيه ما جرى بأنه “تجاوز خطير على سلطة الدولة ومؤسساتها”، وأكدت “رفضها القاطع لأي مظهر مسلح خارج إطار القوات النظامية”، مشددة على أنّ “محاولات فرض الإرادة السياسية بالقوة ستُواجَه بالحزم القانوني”. ومع ذلك، لم يُعلن عن أي إجراء واضح تجاه الأطراف المتورطة في الخرق، ما عزّز انطباعات عن عجز الدولة عن لجم نفوذ الفصائل داخل النظام السياسي.
مصدر أمني رفيع المستوى، فضّل عدم الكشف عن هويته، قال إن “الحكومة تواجه معضلة مستمرة في فرض سلطة القانون، بسبب تشابك مصالح الفصائل المسلحة مع مفاصل الدولة، ومنها الوزارات الخدمية والاقتصادية التي باتت ساحة للصراع على النفوذ والمناصب”.
بندقية خلف كل وزارة: واقع لا مجاز
الحادثة أعادت إلى الواجهة مقولة دارجة في الأوساط السياسية العراقية: “خلف كل وزارة بندقية”، في إشارة إلى أن الوزارات لم تعد فقط مواقع خدمية أو إدارية، بل تحولت إلى ساحات نفوذ تتقاطع فيها الولاءات الحزبية مع الامتدادات المسلحة. في هذا السياق، يشير مراقبون إلى أن ما جرى في وزارة الزراعة قد يتكرر في وزارات أخرى، إذا ما استمرت سياسة المحاصصة وتوزيع المناصب بوصفها غنائم سياسية.
المحلل السياسي الدكتور إحسان الشمري علّق على الحادث بالقول: “نحن أمام مشهد خطير حيث تتحوّل القرارات الإدارية إلى صواعق تفجير أمني. هذا يعكس أن الفصائل لا تنظر إلى الدولة كمؤسسة، بل كمساحة سيطرة. ما جرى في بغداد لم يكن اشتباكًا فحسب، بل رسالة سياسية مفادها: لا قرار دون موافقة القوى المسلّحة”
مستقبل الدولة على المحك

