د. محمد وليد صالح
كاتب عراقي
عندما تنعدم التعدديّة في الخطاب العام والآراء وتغيب المعلومات الصحافية الموثوق بها، نحتاج إلى تصّور أوجه مستحدثة للتعبير الفني والثقافي، وتسود النزاعات العنيفة بسبب عوامل اجتماعية يجري استغلالها عبر خطاب الإستقطاب وتعميم الأفكار النمطية عن مجموعات من الأشخاص أو تمثيلها بصورة لا إنسانية، ويستثار العنف والتحريض عليها عندما لا يتوافر للناس متنفس سلمي يصرّفون من طريقه إحباطهم، ويعبرون بحرية عن آرائهم.
إذ يعد السلام والديمقراطية شرطين للتنمية المستدامة وهدفها (16) الذي يشمل على (تشجيع إقامة مجتمعات سلمية وشاملة، وتوفير إمكانية الوصول إلى العدالة وبناء مؤسسات فعَالة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات) فعندما تصان حرية التعبير يمكن لوسائل الإعلام أداء دور حاسم في منع نشوب النزاعات ودعم العمليات الديمقراطية وتداول السلطة السلمي، والحكم الرشيد والعادل واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، فضلاً عن كفالة وصول الجمهور إلى المعلومات وحماية الحريات الأساسية وفقاً للتشريعات الوطنية والإتفاقات الدولية.
وهذا من شأنه متابعة التقدم المحرز في إيجاد صحافة حرة وعمل الصحفيين في بيئة سليمة والضمانات القانونية والسياسية التي تكفل الوصول إلى المعلومات، والحد من تحديات وحالات التعرض للاختطاف والتعذيب أو القتل أو الإختفاء القسري أو الإحتجاز التعسفي، ولابد للتغطية الخبرية التركيز على النقاط المشتركة بين المجموعات ومراعاة حساسية النزاعات والمساعدة في تفسير الأسباب الكامنة للتوتر والتصدي للعنف، بوساطة التقارير المستفيضة التي بحثت مادتها بعناية وتعددت مصادرها، عوضاً عن نشر الخطاب والصور التي تعرض وجهة نظر أحادية الجانب وتذكي النزاعات.
ان صحافة السلام تكمن قدرتها في مساعدة المتخاصمين وجمع المجتمعات المحلية، ونشر آراء مختلف أطراف النزاع وإظهار المعاناة الناجمة عن العنف لدى الناس من شتى الإنتماءات، فضلاً عن الإعتبارات الجنسانية التي تظهر أهمية مشاركة النساء في عملية صنع السلام وتقليص مساحة التطرّف والإرهاب، ومبادءات الفنانيين المبدعين بهدف تحقيق الشفافية والوضوح في عالم التضليل الإعلامي.
ونحن أمام مهمة مشتركة في العراق يتفق عليها المجتمع العالمي تبدأ من النهوض بالسلام وحقوق الإنسان إلى ضمان التنوع الثقافي والمساواة بين الجنسين ومكافحة الفقر، وإنشاء المدن المستدامة ومواجهة تغيرات المناخ، ويمكن ان تكون الصحافة الرقمية منارة في عاصفة المعلومات التي تنشر الأكاذيب بلا رادع وتلهب المشاعر على حساب ثقافة التسوية السلمية للنزاعات وعمليات المصالحة، فضلاً عن منع العنف والحرب وخطاب الكراهية من أجل إقامة جسور الثقة المتبادلة وبنائها بين الناس.
المصدر .. جريدة الصباح

