الكاتب..اياد مهدي عباس
رغم النهضة العلمية الكبيرة التي يشهدها العالم اليوم والتي شملت جميع ميادين الحياة، ومن بينها أساليب البناء والإعمار وابتكار كل ما هو جديد من مواد ومعدات هندسية حديثة مدعومة بالتطور التكنلوجي المعزز بالروبوتات والذكاء الاصطناعي، والوصول إلى أحدث الطرق في إحراز سلامة المجتمعات وحمايتها من آثار الكوارث المدمرة كالزلازل والفيضانات والحرائق وغيرها من المخاطر الأخرى، التي تهدد أمن وسلامة المجتمع والحد من اضرارها إلى أدنى مستوى ممكن، نرى في قبال ذلك كله ان العراق ما زال خارج هذه المعادلة المهمة رغم الأموال الطائلة، التي أنفقها في مشاريع أتضحت فيما بعد انها مشاريع وهمية وغير حقيقية.
لذلك يتعرض العراقيون بين الفينة والأخرى إلى كوارث متنوعة يذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء، وكان بإمكان الحكومات المتعاقبة أن تضع حداً لها منذ البداية، من خلال إيجاد الحلول الناجعة ووضع الخطط المناسبة لعدم تكرار تلك الحوادث المؤسفة، إلا أن انعدام الشعور بالمسؤولية إزاء أمن الناس وحفظ حياتهم وممتلكاتهم من قبل القائمين على حماية المجتمع العراقي حال دون ذلك، فاستمرت تلك الحوادث الأليمة.
للأسف، كما أن الفساد المستشري في مفاصل الدولة، والذي بات يشكل ظاهرة خطيرة تهدد أمن المجتمع العراقي وسلامته كان ايضا سببا مباشرا وراء تلك المآسي، التي يتعرض لها أبناء شعبنا باستمرار، وثمة أمثلة عن كوارث تتكرر من دون الالتفات إليها من قبل المسؤولين، من أجل وضع الحلول المناسبة لها ومنع تكرارها مرة اخرى فعلى سبيل المثال لا الحصر، كم من العراقيين يموتون يومياً بسبب رداءة الطرق العامة، لأنها غير معبَّدة وفق المواصفات والمعاير الصحيحة، بسبب صفقات الفساد التي تشوب عمليات تنفيذها؟ وكم من الشباب الذين ذهبوا ضحية الغرق في الأنهر لعدم توفر مسابح حكومية، تلبي رغباتهم في تعلم السباحة اثناء فصل الصيف كبقية دول المنطقة؟ وكم عدد ضحايا الحرائق بين فترةٍ وأخرى بسبب تجاهل شروط السلامة وغياب الدور الرقابي الحكومي في إلزام المؤسسات العامة والمباني الخاصة بضرورة وضع منظومة أشعار الحرائق واطفائها، وكم وكم وكم من الأمثلة الأخرى لا يسعنا ذكرها في هذه العجالة، فالقائمة تطول والأسباب كثيرة، واللجان التي تُشكل بعد كل كارثة ايضا كثيرة والتوصيات تُكتب، إلا أن النتيجة واحدة في كل مرة هو الموت المحقق، وما زالت السلطات تتحدث عن خطط وقائية لكن من دون تنفيذ يذكر!.
لذا كلما حاول العراقيون نسيان الكوارث الماضية وتجاوز آثارها النفسية والأمل بغدٍ آمن وخالِ من الكوارث يتفاجؤون بكارثة جديدة أشد من سابقاتها، فأصبح من الواجب علينا أن نضع الأسئلة التالية أمام كل مسؤول يشعر بالخوف من الله أو بشيء من الحرص على أبناء بلده، وهي لماذا على العراقيين أن يكونوا دوماً ضحايا الإهمال والفساد؟ ولماذا حياتهم تبقى رهينة الفاسدين والعابثين من دون اي رادع يذكر؟
أليست هذه الكوارث التي وقعت لم تكن وليدة لحظة وقوعها بل بدأت منذ اللحظة التي مُنحت فيها موافقات البناء من دون الالتزام بمتطلبات السلامة والأمان؟ ألم تكن تلك الفواجع ناتجة عن تراكمات الفساد والتقصير المتعمد وغض الطرف من قبل الموظفين والمسؤولين عن وضع شروط السلامة مقابل أخذ الرشى؟ فالحريق الذي حدث في واسط مؤخرا لم يكن الاول وبالتأكيد لن يكون الاخير، بل هو جزء من سلسلة طويلة من الحرائق التي لا تنتهي ما دام القاسم المشترك بينهما هو الفساد، تلك الآفة التي انتشرت في بلادنا انتشار النار في الهشيم، وبالتالي سيبقى المواطن ضحية النفوس المريضة التي آثرت جمع المال الحرام على حياة الناسـ فأصبحت حياة المواطن العراقي أسيرة الكوارث المفاجئة، ما دام جمع المال هو غاية المسؤولين في الدولة، فمن الطبيعي يتحول الفساد من عملية سرقة للمال العام إلى قاتل يخطف ارواح العراقيين بمختلف فئاتهم.
المصدر .. الصباح