د. أرسلان بايز
ترجمة وتحرير: نرمين عثمان محمد
ارفعي رأسك، لا تحزني،
لبندقيتك التي كانت على كتفك،
كأنها قلادة من اللؤلؤ،
رصاصها وشظاياها ومتانتها زينتك.
لا تحزني، فأنا مثلك،
أرتعش، وقلبي مملوء بالحزن.
أعرف أنكِ حلّقتِ في الأعالي،
تعلمتِ اللعب بالنار والسير في المخاطر.
لا تحزني، فسيأتي يوم،
يتحول فيه كحل بندقيتك
إلى زينة تتَزيّن بها
عيون فتيات وطنك الجميلات.
من شعر الأستاذ چەتۆ حەوێزی
ما أجمل ذلك المشهد:
ثلاث مقاتلات گەريلا، وجوههن مغبرة، يحملن السلاح على أكتافهن، يسِرن في خط واحد داخل الممرات المتشابكة لجبال “باوه ند”، قرب مغارة قرية “جاسەنە” في سلسلة جبال “سورداش”، حيث كانت مطبعة القائد الخالد”شيخ محمود “. كأنهن نور في عين الناظر، وكَتابة نضالٍ امتد لعشر سنوات في كهوف كردستان. كنّ يتحركن مثل عقدٍ من اللؤلؤ، متجهات إلى الأسفل، في مشهد مفعم بالحزن… لكنه ينبئ بنصرٍ للسلام.
كان المشهد تجسيدًا للوجود والانتماء إلى لغة الأم، وللحقوق التي حُرمت منها الشعوب لعقود.
كان مشهداً لهيبة التاريخ والنضال، لخمسة وثلاثين عامًا من مقاومة متواصلة.
هؤلاء الثلاث كنّ في المقدمة، وبعد أن نزلن من الجبال، وخلعن أسلحتهن، تزينت البنادق بالكحل، وكأنهن عُدن يتدلّين على زنار الجبال كأطياف.
إحدى هؤلاء المقاتلات، بعد أن أنزلت سلاحها، انخرطت في البكاء، ووضعت بندقيتها على الأرض، كأنما تخشى أن يتحول هذا المشهد إلى قدرٍ جديد من الألم، كما حدث لثورات وانتفاضات سابقة.
لا تبكي…! أرجوكِ، لا تذرفي تلك الدموع الجميلة…!
أنا أعلم أن بكاءكِ يجسد الهم المكبوت في أعماق ملايين الأكراد.
أعلم أن الرصاص وزيّك، وحزام سلاحك،
كانت قلادتك من ياقوت وإيمان،
وكانت حياتك في جبال الحرية.
لا تبكي…!
لأن كحل البنادق،
سيتحول إلى إثبات لوجود أمتك،
وإلى إعلان بلغة الأم.
تلك اللغة التي سجنت امرأةٌ ثائرة من مدينة آميدي في شمال كردستان 15 عاماً، فقط لأنها أدت اليمين بها داخل البرلمان.
لقد ضحت بعشر سنوات من شبابها لأجل فخر هذه اللغة.
فلا تبكي… ثقي أن رماد البنادق ستصير ملامح المستقبل في عيون فتيات كردستان الجميلات.
لقد كان الأستاذ چەتۆ حەوێزی، إلى جانب كونه بيشمركة وقائدًا بارزًا في ثورتي أيلول وكردستان الجديدة، هو أيضًا أديب معروف ومثقف مرهف.
وأعرف من خلال علاقتنا الشخصية أنه كتب عشرات القصائد العاطفية والرومانسية، لكنها لم تُنشر حتى اليوم،حين أقرأ هذه القصيدة وسواها من أعماله، أوقن تمامًا بأنه شاعرذات إحساس رفيع من كردستان ،وهذه القصيدة تحديدًا، كُتبت من أجل حدث سياسي”بكاء مقاتلة أثناء تسليم سلاحها”
فمن جهة، يستعمل مفردات رمزية تدلّ على الشدة والعنف والنضال (البندقية، السلاح، المقاتلة، النار، الرصاصة، الحزام) ومن جهة أخرى، يمزجها بمفردات رومانسية حالمة (القلادة، اللؤلؤ، الزينة، الحزن، الرجفة، القلب الممتلئ بالحزن، الكحل، عيون الفتيات).
أي أنه يحوّل الحدث السياسي إلى تجربة شعرية رومانسية، وهو ما لا يتقنه إلا من يملك حسًا أدبيًا ولغويا رفيعًا.
يخاطب الشاعر المقاتلة قائلاً:
لا تحزني، فدموعك ستتحول إلى زخة مطر متأخر في ربيع مزهر، ستنبت منه زهور النصر،
وآهاتك ستصير نغمةً فوق أوراق الزهور الجبلية، يغرد فوقها البلبل كل صباح، بأغانٍ للحرية.
أما من الجانب الفني الشعري، فإن للقصيدة موسيقى جذابة وعذبة.
ويبدو أن بنيتها تجمع بين الشكل الشعري التقليدي والحر.
وتتراوح أوزانها بين (8 و 12) مقطعًا.

