كتابة: جمال ئاريز
ترجمة و تحرير : نرمين عثمان محمد
في كل حدث سياسي، سواء في بعده الظاهر أو الخفي، أو في مستواه النظري والعملي، أو حتى في صيغته السياسية المطلقة أو أساليبه العسكرية، ثمة خطٌّ رمادي لا تلتفت إليه عامة الناس أو المجتمع ككل، بل لا يدركه إلا أشخاص مختصون ومراكز بحثية سياسية تستطيع أن تراه ضمن إطار الخطاب السياسي وتتابع مساره، من جانبيه الإيجابي والسلبي.
الخط الفاصل بين الوطنية والشوفينية
في عالم السياسةعموما ، هناك خط سياسي قومي أو وطني موجود في جميع الأمم والشعوب، وهو الذي يُعرَف بالخط القومي أو الوطني. وإذا ما اتخذ هذا الخط منذ نشأته شكل حركة مسلحة، عُرِّف حينها كحركة تحرر قومي أو وطني.
لكن أتباع هذا النمط من التوجهات السياسية أو الحركات المسلحة غالبًا ما يتجاوزون هذه الخطوط الرمادية، ويقتربون من الشوفينية. إذ ينغمسون في مسألة القومية والوطنية إلى حد يجعلهم، بدلآ من تصحيح سلوكهم تجاه خصومهم وأعدائهم، ينزلقون في التعامل معهم بطريقة شوفينية. وبهذا، يُوجِّهون نضالهم السياسي وحركتهم المسلحة في اتجاه يقدّم خدمة مجانية لخصومهم وأعدائهم.ذلك لأن خطابهم وسلوكهم يغذّيان نزعة قومية تساهم في توسيع هذا الخط الرمادي، بحيث يصبح سلوكهم، بدلآ من أن يكون دفاعًا مشروعًا عن حقوق أمتهم ووطنهم، عملآ يعزز هيمنة الأمة المتسلطة ويثير الانقسامات القومية والاجتماعية. ومثل هذا النهج يصبّ بالدرجة الأولى في صالح النظام المهيمن نفسه. فهدف تلك الأنظمة بالأساس هو جرّ الطرف المظلوم إلى ساحة صراع تُهدِّد السلم الاجتماعي تحت ذريعة حماية قوميتها. وفي النهاية، يُزَجُّ المواطن البسيط، المخلص لوطنه، في خندق مواجهة ضد الطرف المظلوم والمحروم، في حين أنّ تلك الأنظمة ذاتها تكون غالبًا خلف إنشاء أو دعم جماعات مشبوهة، لتدفعها إلى رفع شعارات قومية ووطنية مشبعة بروح شوفينية، بغية إشعال الساحة وتبرير مشاريعها الحقيقية.
فالأنظمة الاستبدادية والشوفينية والسلطوية تعيش على هذا السوق، سوق إثارة النزعات القومية والشوفينية. لأنها لا تستطيع مواجهة منطق السلام والتعايش والمنطق الديمقراطي، ولأنها على يقين بأنها ستُهزَم في هذا الميدان. لذلك تضطر دائمًا إلى التراجع والاحتماء بخطاب الشوفينية والتصعيد القومي.
الديمقراطية المظهرية
هذا النمط من السياسة (القومية-الوطنية) يجد رواجًا أكبر في تلك الأنظمة السياسية التي تتبنى في الظاهر نظامًا ديمقراطيًا، وتعتبر نفسها ديمقراطية، بحجة وجود انتخابات وتعدد حزبي. لكن، لا على مستوى الممارسة السياسية ولا على مستوى الثقافة الوطنية، يمكن أن يُلمَس أثر حقيقي للديمقراطية.
وتتجلّى هذه اللاديمقراطية بوضوح في شعارات الأحزاب، وخطاباتها السياسية، وبرامجها الانتخابية. وحتى تلك الأحزاب والمنظمات والحركات التي تتغنى بالديمقراطية والتعايش السلمي في برامجها وشعاراتهاوقياداتها، نجدها عند صناديق الاقتراع والبرلمان والجماهير، تؤول مواقعها في النهاية إلى مابعد الأحزاب المتطرفة، الشوفينية أو المذهبية.وهذا، في أبسط تعريفاته، يعكس غياب روح الديمقراطية في الثقافة الوطنية والسياسية للدولة. إذ إنّ غالبية الناخبين يتبعون تلك القوى التي تعادي التعددية والاختلاف، وتوجّه خطابها في هذا الاتجاه.