في عصرنا الرقمي المتسارع، لا يمكن إنكار القوة التحويلية للإعلام في تشكيل الوعي الجمعي وبناء الهويات المجتمعية. فالإعلام اليوم تجاوز دوره التقليدي كمجرد ناقل للأخبار والمعلومات، ليصبح محركاً حقيقياً للتغيير الاجتماعي ومنصة حيوية تمكن المجتمع من فهم ذاته والآخرين بعمق أكبر.
عندما يقدم الإعلام صورة حقيقية ومتوازنة عن مختلف المكونات الثقافية والدينية والعرقية، فإنه لا يقدم مجرد معلومات، بل (يزرع بذور الانتماء) في نفوس الأفراد ويعزز احترام التنوع كقيمة حضارية أساسية. وبدلاً من أن تكون الاختلافات مصدراً للتهميش أو الصراع، تتحول إلى مصدر قوة وثراء حضاري
إن القصص الإنسانية الحقيقية والبرامج التحليلية المعمقة تمتلك قدرة سحرية على (كسر الحواجز النفسية) بين فئات المجتمع المختلفة. فعندما يسلط الإعلام الضوء على تجارب الأفراد والمجتمعات المتنوعة، ويشرح السياقات الاجتماعية والثقافية للأحداث، فإنه يخلق جسوراً من التفاهم لم تكن موجودة من قبل.
خذ مثلاً تغطية مبادرة تعليمية رائدة قادها شباب من الأقليات، أو مشروع ثقافي يحتفي بالتراث المحلي المتنوع. مثل هذه التغطيات لا تقدم مجرد معلومات، بل تمنح الجمهور فهماً عميقاً لدور كل فئة في نسيج المجتمع، وتحطم الصور النمطية الجامدة التي قد تنتشر عنهم. بهذا الأسلوب، يتحول الإعلام من مجرد ناقل للمعلومات إلى معلم حقيقي يثقف المجتمع.إن مواجهة خطاب الكراهية والتحريض تمثل إحدى (المسؤوليات الأخلاقية الكبرى) للإعلام المعاصر. ولكن المواجهة الحقيقية لا تكمن في مجرد الإشارة إلى هذا الخطاب أو تجاهله، بل في تحليله ومناقشته بجرأة وشفافية
عندما يعرض الإعلام المسؤول الأضرار الحقيقية لخطاب الكراهية على النسيج الاجتماعي، ويوضح للجمهور (العواقب الوخيمة) التي قد تنجم عنه، فإنه يحصن المجتمع ضد سمومه. وحين يتيح المجال للحوار البنّاء بدلاً من الصراع العقيم، يحول الاختلاف إلى (فرصة ذهبية للتقارب) ، ويبرهن أن التعددية قوة حضارية وليست تهديداً وجودياً.يحمل الإعلام على عاتقه مسؤولية جليلة في (إبراز المساهمات الحقيقية) لكل مكون من مكونات المجتمع، سواء في المجالات الثقافية أو العلمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. فالقصص الملهمة عن نجاحات مجتمعية متنوعة تزرع في وعي الجمهور حقيقة مهمة: أن التقدم مشروع جماعي وأن كل فئة تضيف قيمة فريدة لا يمكن الاستغناء عنها.
تخيل تأثير تسليط الضوء في مشروع ريادي ناجح قاده فريق متنوع من شباب ينتمون لخلفيات مختلفة، أو برنامج تطوعي جمع بين أفراد من مختلف الطوائف والأعراق لخدمة قضية إنسانية نبيلة. مثل هذه القصص تؤكد أن الإبداع والعطاء لا يعرفان حدوداً عرقية أو دينية، وأن التنوع يولد فرصاً لا محدودة للتعاون والنمو والازدهار.
يمكن للإعلام أن يلعب دوراً محورياً في تطوير وتحسين السياسات العامة، من خلال مراقبة تنفيذ القوانين التي تحمي حقوق الأقليات وتمنع جميع أشكال التمييز والإقصاء. فالتغطية المتخصصة والمفصلة لهذه القوانين، مع إبراز قصص النجاح والتحديات على حدٍّ سواء، تساعد صانعي القرار على (تقييم الوضع بدقة) واتخاذ خطوات أكثر فاعلية وعدالة.
كما يمكن للإعلام أن يكون صوتاً للفئات المهمشة ومنصة لعرض قضاياهم ومطالبهم المشروعة، مما يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز المشاركة الديمقراطية الحقيقية. الإعلام الرقمي. فرص وتحديات جديدة في عصر الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، تتضاعف الفرص والمسؤوليات أمام العاملين في المجال الإعلامي. فمن جهة، توفر المنصات الرقمية إمكانيات هائلة للوصول إلى جماهير أوسع وتنويع المحتوى وإشراك الجمهور في الحوار. ومن جهة أخرى، تطرح تحديات جديدة مثل انتشار الأخبار المضللة وتفتت الجماهير إلى فقاعات إعلامية منعزلة.
المصدر .. صحيفة الصباح