اعداد / محمد البغدادي
يعدُّ سدَّ الموصل،الذي شُيِّد في أوائل الثمانينات بقرابة 3 كيلومتر وارتفاع 113 متراً، شرياناً حيوياً لتخزين المياه وتوليد الكهرباء وتنظيم جريان نهر دجلة، ويزود المحافظات الوسطى والجنوبية بالموارد المائية الضرورية.
لم يكن الجفاف مجرد أزمة بيئية عابرة بل نافذة إلى التاريخ حيث أدى انخفاض منسوب المياه في محيط سدِّ الموصل بشكل واضح خلال أقل من شهر إلى ظهور معالم أثرية وإنسانية كانت غائبة لعقود، إذ برزت أساسات حجرية متآكلة تعود إلى مدرسة قديمة طُمرت تحت المياه منذ عقود،ولم تمضِ أيام قليلة حتى ظهرت إلى جانبها مقبرة قديمة، يعتقد أنها تعود لعصورسابقة.

محافظ نينوى عبد القادر الدخيل يؤكد أن السدَّ مستقر من الناحية الهيكلية والتشغيلية، لكنه يواجه ضغوطاً متزايدة نتيجة التغيرات المناخية وظاهرة التصحُّر الناتجة عن شحِّ الأمطار وارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقين، ما يزيد الحاجة إلى ترشيد الاستهلاك وتوعية المواطنين حول أهمية الحفاظ على المياه، خاصة مع ارتفاع معدلات استهلاك الفرد.
أكاديميون ومختصون يوضحون أن هذه الظواهر ليست جديدة بالكامل، فقد سبق في عام 2022 و2023 أن أدى انخفاض مستويات المياه في نينوى إلى ظهور أطلال مدينة قديمة، وهي مدينة آشورية يعود تاريخها إلى أكثر من 3400 عام، وقد تم التنقيب فيها مؤقتاً قبل أن تغمرها المياه مجدداً، وبأن الكثير من بين تلك الحوادث وأزمة الجفاف المتفاقمة مرتبطة مع بعضها ، حيث تعدُّ العودة الدراماتيكية للمعالم القديمة هي دليل حي على الأزمة المناخية والكارثة البيئية التي تلوح في الأفق، والتي يجب التعامل معها بشكل أكثر جدية.
في الاثناء لفت مدير عام الهيئة العامة لمشاريع الري والاستصلاح والمتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية الدكتور خالد شمال في تعليق صحفي إلى أن الخزين الإستراتيجي للمياه المتواجد في البحيرات هو الأدنى بتاريخ الدولة العراقية منذ ثلاثينات القرن الماضي، منبهاً بأن السبب الرئيسي لهذا التراجع يعود إلى انخفاض الإيرادات المائية من دول الجوار، مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة،حيث قامت كلٌّ من تركيا وإيران بإنشاء عشرات السدود والمشاريع الكبرى للاستصلاح، مما أثر في حصة العراق المائية.

خبراء في السياسات المائية قالوا إن“إعلان وزارة الموارد المائية عن وصول الخزين الاستراتيجي للمياه في العراق إلى أدنى مستوياته منذ ثلاثينات القرن الماضي يعد مؤشراً بالغ الخطورة ويضع البلاد أمام تحديات غير مسبوقة، وهذا التراجع الكبير لا يقتصر أثره على قطاع المياه فحسب، بل يهدد بصورة مباشرة الأمن الغذائي، استقرار الإنتاج الزراعي، إمدادات الطاقة الكهرومائية، وحتى متطلبات الاستهلاك البشري اليومي”.
وبحسب التقديرات“الأزمة الحالية تعكس جملة من العوامل المترابطة، من بينها التغيرات المناخية التي أدت إلى انخفاض معدلات الأمطار وتكرار موجات الجفاف، فضلاً عن التوسع السكاني والطلب المتزايد على المياه، إضافةً إلى الإجراءات الأحادية من قبل بعض دول الجوار في ما يخص تنظيم تدفقات الأنهار الدولية، كما أن محدودية اعتماد العراق على تقنيات حديثة في الري وحصاد المياه زادت من حدة الوضع”.
ووفق بيان صادر عن المرصد الأخضر أشار إلى أن”العراق يمر بوضع مائي سيء للغاية قد يتفاقم خلال الأشهر المقبلة إن لم تكن هنالك حلول ناجعة من قبل الجهات المسؤولة، فضلاً عن نوعية المياه غير الصالحة للاستهلاك وفي أغلب المحافظات”.
ويشهد العراق في فصل الصيف تفاقمًا في أزمة شح المياه، حيث يعاني من انخفاض حاد في منسوب المياه وتراجع الإطلاقات المائية من دول الجوار، مما يهدد بتداعيات كبيرة على الزراعة ومياه الشرب.وهناك انتقادات لسوء إدارة الموارد المائية في العراق، بما في ذلك الهدر في استخدام المياه وسوء توزيع الحصص بين المزارعين.وتساهم بعض الممارسات الزراعية الخاطئة، مثل زراعة محاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه، في تفاقم الأزمة.
وتلمح التوقعات إلى أن العراق سيتأثر بشدة بالتغيرات المناخية، مما يزيد من تفاقم أزمة الجفاف وتدهور الموارد المائية. فيما أدت ندرة المياه إلى تقليص المساحات المزروعة وتراجع الإنتاج الزراعي، مما يهدد الأمن الغذائي ويدفع المزارعين إلى ترك أراضيهم.
وتسببت ندرة المياه في نزوح العديد من العائلات من المناطق الريفية إلى المدن بحثًا عن مصادر مياه بديلة، مما يزيد من الضغط على الخدمات والموارد في المدن.
مقترح الخطة الاستراتيجية الشاملة لتخزين مياه الأمطار الموسمية في البلاد 2025-2030 عدها مختصون بالرؤية الاستراتيجية من دولة تعاني شحًا مائيًا حادًا إلى نموذج إقليمي في الإدارة المستدامة للموارد المائية. تهدف إلى رفع المخزون المائي السنوي إلى 10 مليارات متر مكعب تقليل هدر مياه الأمطار والسيول من 70% إلى 20%. تأمين تدفق مستدام للأهوار.



