عباس عبد الرزاق
تشهد منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في حدة التوترات، وهو تصاعد لا يمكن اختزاله في كونه انعكاسًا لصراعات سياسية أو عسكرية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليكشف عن بعد أكثر جوهرية يتعلق بمحاولة السيطرة على منابع الطاقة، وفي مقدمتها الغاز الطبيعي.
إذا ما نظرنا إلى خريطة الاحتياطيات العالمية، نجد أن روسيا تتصدر المرتبة الأولى، تليها إيران ثم قطر. هذا الترتيب يجعل من الشرق الأوسط ـ إلى جانب روسيا ـ محورًا أساسيًا في معادلة أمن الطاقة الدولي. وفي ظل سعي أوروبا الحثيث لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، باتت هذه المنطقة محط أنظار القوى الغربية، باعتبارها المورد البديل الذي يمكن أن يسد جزءًا من الفجوة الطاقية.
غير أن المفارقة التي تبرز هنا تكمن في الرؤية الأوروبية لأمنها القومي: إذ تعتبر أن “حارس البوابة” لتدفق الغاز من الشرق الأوسط إلى أوروبا هو إسرائيل. ليس لأن إسرائيل تمتلك أكبر الاحتياطيات، بل لأنها تُقدَّم كقوة إقليمية ضامنة لمرور الإمدادات وحماية الممرات الحيوية والمعابر البحرية. بهذا المعنى، تتحول إسرائيل في الحسابات الأوروبية من مجرد فاعل سياسي ـ عسكري إلى عنصر أساسي في معادلة أمن الطاقة.
هذه القراءة تعكس واقعًا أوسع: فالتوترات الأخيرة ليست سوى واجهة لصراع أعمق يتجاوز حدود النزاعات التقليدية، ويتعلق بمحاولة التسلط على منابع الطاقة والتحكم بمساراتها المستقبلية. وكلما ازداد الطلب الأوروبي على بدائل للغاز الروسي، ازدادت أهمية المنطقة كمصدر وكممر في الوقت ذاته. وهو ما يفسر محاولات القوى الكبرى إعادة رسم خرائط النفوذ بما يضمن بقاء خطوط الإمداد تحت سيطرة حلفاء موثوقين.
لكن هذا التوجه يطرح بدوره معضلات معقدة: إذ أن ربط أمن الطاقة الأوروبي بقدرة إسرائيل على فرض هيمنتها في المنطقة يزيد من هشاشة الاستقرار الإقليمي، ويجعل الطاقة أداة صراع بدل أن تكون عامل تعاون. كما أن تجاهل دور القوى الإقليمية الأخرى، مثل إيران وقطر ومصر وتركيا، في معادلة الطاقة قد يؤدي إلى صدامات إضافية بدل بناء تفاهمات مشتركة.
في ضوء ذلك، يصبح من الصعب تصور أن المفاوضات السياسية وحدها قادرة على تهدئة الوضع. فالقضية لم تعد محصورة في صراع حدود أو نزاعات آنية، بل أصبحت جزءًا من سباق عالمي لإعادة توزيع النفوذ على مصادر الطاقة. وهنا تكمن خطورة المرحلة: أن تُختزل الحلول في تعزيز قوة طرف واحد على حساب الآخرين، مما يفاقم حالة الاستقطاب ويجعل التسوية أكثر تعقيدًا.
سيناريوهات مستقبلية للتوترات الطاقية في الشرق الأوسط التصعيد العسكري والهيمنة الإقليمية
في هذا السيناريو، تستمر القوى الإقليمية والدولية في استثمار القوة العسكرية لضمان السيطرة على المعابر والممرات الحيوية للغاز. قد يؤدي ذلك إلى صراعات مفتوحة بالوكالة أو توترات طويلة، ما يزيد المخاطر على استقرار الإمدادات الأوروبية.
التعاون الإقليمي والربط البنيوي
هنا، يمكن تصور مسار يحقق بعض الانسجام بين الدول الإقليمية لإدارة مشاريع الغاز شرق المتوسط، مع مشاركة إسرائيل كحارس للممرات دون الانفراد بالسيطرة. هذا المسار قد يقلل من احتمالات الصراع ويوفر بيئة أكثر أمانًا للتصدير الأوروبي، لكنه يتطلب تفاوضًا دبلوماسيًا طويل الأمد.
تنويع المصادر والانتقال الطاقي

