الكاتب..ايات مظفر نوري
تُعد عملية إعداد حملة الشهادات العليا مسؤولية مشتركة تقع بالدرجة الأولى على عاتق وزارة التعليم العالي، وبالتعاون مع المؤسسات الساندة لها، بهدف إنتاج كفاءات قادرة على تشخيص المشكلات ووضع حلول قابلة للتطبيق في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، بالاستناد إلى البحث العلمي ووفق الموارد المتاحة.
ولتحقيق هذا الهدف، تمر العملية بمراحل متكاملة عدة:
أولاً ـ مرحلة بناء الخطة: تتضمن تحديد احتياجات المؤسسات من التخصصات العلمية المطلوبة لمعالجة الإشكاليات، سواء على المدى القريب أو البعيد، بما يضمن توافق مخرجات التعليم العالي مع متطلبات سوق العمل وخطط التنمية الوطنية.
ثانيا ـ مرحلة معايير وآليات اختيار المتقدمين: وهي من أهم المراحل، إذ إن نجاح البرنامج بأكمله يعتمد على كفاءة المقبولين واستعدادهم للتطوير، بما يتيح إعداد ملاكات مؤهلة لإحداث نقلة نوعية في أداء مؤسسات الدولة.
ثالثا ـ مرحلة البرنامج التعليمي: وتشمل المناهج الدراسية، والبرامج التطويرية، ودور شخصية الأستاذ الجامعي وطرائق تدريسه في تنمية مهارات الطلبة، وصقل قدراتهم البحثية والتطبيقية.
رابعا ـ مرحلة توظيف المخرجات: وهي ترجمة الجهد الأكاديمي إلى أثر عملي، من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، واستثمار مهاراته لصالح تطوير المؤسسة.
خامسا ـ مرحلة تقييم الأداء (التغذية الراجعة): يتم فيها قياس أثر الكفاءات الحاصلة على الشهادات العليا مقارنةً بالمرحلة التي سبقت تكليفهم،
بما يتيح تصحيح المسار وتطوير العملية التعليمية مستقبلاً.
رغم وضوح الأهداف المرسومة لبرامج الدراسات العليا، إلا أن الواقع العملي يواجه جملة من التحديات التي تحدّ من تحقيق الأثر المطلوب، ومن أبرزها:
1- تضخم أعداد حملة الشهادات العليا دون إنتاجية واضحة: شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في أعداد الحاصلين على شهادات الماجستير والدكتوراه، دون أن يقابل ذلك زيادة مماثلة في مستوى الإنتاجية البحثية أو التأثير التطبيقي في المؤسسات.
الحلول المقترحة: ربط خطط القبول في الدراسات العليا بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل وخطط التنمية الوطنية. وضع شروط أكثر دقة لقياس جدوى البحث المقدم، بحيث يتضمن خطة تطبيقية قابلة للقياس. تفعيل برامج تدريبية موازية أثناء الدراسة، تربط الطالب بمؤسسات العمل الفعلية منذ المراحل الأولى.
2- الشهادات العليا من جامعات دولية غير رصينة: انتشرت ظاهرة الحصول على شهادات من جامعات خارجية تفتقر إلى الاعتماد الأكاديمي الموثوق، ما يضعف الثقة في مخرجات هذه الشهادات.
الحلول المقترحة: إنشاء قاعدة بيانات وطنية للجامعات المعترف بها دولياً ومحلياً، وتحديثها سنوياً. اعتماد نظام معادلة صارم يقيّم البرامج الدراسية والمناهج قبل منح الاعتراف. إلزام الموظفين والباحثين بإثبات جودة المحتوى الدراسي الذي تلقوه، عبر اختبارات أو مشاريع تطبيقية.
3- استخدام طلبة الدراسات العليا لأدوات الذكاء الاصطناعي (AI) بشكل غير منضبط: مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبح من السهل على الطلبة إنتاج نصوص وأبحاث جاهزة، ما يهدد أصالة البحث العلمي وجودته.
الحلول المقترحة: دمج مواد تدريبية ضمن البرامج الدراسية تشرح كيفية الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للـ AI. استخدام برمجيات متقدمة للكشف عن المحتوى المولّد آلياً، وتطوير أدوات محلية مخصصة لذلك. إعادة تصميم طرق التقييم لتشمل مراحل شفوية وعملية، تتيح التحقق من فهم الطالب العميق لموضوع بحثه، وليس فقط قدرته على تقديم نص مكتوب.
المصدر .. جريدة الصباح