احسان رشاد المفتي /مستشار قانونى / باحث وكاتب
مقدمة..تواجه منطقة كوردستان اليوم تحديات جوهرية تتطلب وقفة جادة من جميع القوى السياسية والاجتماعية. إن بناء مجتمع ديمقراطي قائم على سيادة القانون واحترام حرية الرأي ليس مجرد حلم، بل ضرورة حتمية لضمان مستقبل مشرق للأجيال القادمة.

أهمية سيادة القانون
القانون هو الأساس الذي يقوم عليه أي مجتمع متحضر. عندما يفقد القانون هيبته وقدسيته، تتحول المجتمعات إلى غابة يحكمها قانون الأقوى. إن احترام المؤسسات القضائية وقراراتها ليس مجرد واجب قانوني، بل التزام أخلاقي يعكس مستوى نضج المجتمع السياسي.لا يمكن لأي قوة سياسية، مهما بلغت قوتها أو شعبيتها، أن تضع نفسها فوق القانون. إن التمرد على القضاء والتحدي المفتوح للمؤسسات الدستورية يقوض أسس الدولة ويفتح الباب أمام الفوضى والانقسام.
حرية الرأي والتعبير
الحرية هي روح الديمقراطية، وحرية التعبير عن الرأي حق مقدس لكل إنسان. لكن هذه الحرية تأتي مع مسؤوليات جسيمة. إن استخدام منابر الإعلام لنشر خطاب الكراهية أو التحريض على العنف يتنافى مع المبادئ الأساسية لحرية التعبير.المسؤولون السياسيون يحملون مسؤولية مضاعفة في هذا الصدد. كلماتهم لها وقع خاص على الجماهير، وتصريحاتهم يمكن أن تؤجج النيران أو تطفئها. إن الحكمة تقتضي اختيار الكلمات بعناية، خاصة في الأوقات العصيبة التي تحتاج إلى ضبط النفس والحكمة.
التسامح والعفو
التسامح فضيلة عظيمة تميز الشعوب المتحضرة. إن القدرة على تجاوز الأخطاء الماضية والمضي قدماً نحو مستقبل أفضل تتطلب شجاعة أدبية نادرة. العفو العام عن المعتقلين السياسيين والصحفيين المنفيين خطوة ضرورية لإعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب.إن مجتمعاً لا يؤمن بالتسامح محكوم عليه بالبقاء في دائرة مفرغة من الثأر والانتقام. أما المجتمعات التي تختار طريق العفو والمصالحة فإنها تفتح أمامها آفاقاً واسعة للنمو والازدهار.
دور الإعلام المسؤول
وسائل الإعلام تحمل أمانة ثقيلة في تشكيل الرأي العام وتوجيه الخطاب السياسي. إن الإعلام الذي يفتقر إلى المعايير المهنية والأخلاقية يصبح سيفاً ذا حدين يمكن أن يدمر أكثر مما يبني.المطلوب من الإعلام الكردي أن يرتقي إلى مستوى التحديات، وأن يكون رسالة حضارية تعكس قيم التسامح والحوار البناء. إن تضخيم الخلافات ونفخ نار الفتنة مسؤولية يجب على كل إعلامي أن يتجنبها.
رسالة إلى صناع القرار
إن الحكومة التي تريد أن تكون محبوبة من شعبها عليها أن تختار طريق الحكمة والعدالة. المطلوب ليس مجرد إجراءات أمنية صارمة، بل إصلاحات جذرية تعيد الثقة والاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم.خلق مناخ من الحرية والانفتاح ليس ضعفاً بل قوة. الحكومات القوية هي التي تستمع لشعبها وتحترم آراءه، وليس التي تقمع الأصوات المختلفة بالقوة.
الطريق إلى المستقبل
إن بناء كوردستان الغد يتطلب جهوداً مشتركة من الجميع. السياسيون والإعلاميون والمثقفون والمواطنون العاديون، كل منهم له دور في هذا البناء الحضاري.المطلوب هو مراجعة شاملة للممارسات السياسية والإعلامية، وإعادة ترتيب الأولويات بحيث تصبح مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار. إن الخلافات السياسية أمر طبيعي في أي ديمقراطية، لكن الخطر يكمن في تحويل هذه الخلافات إلى صراعات مدمرة.
خاتمة

