((تذكير اضافي لرؤية الرئيس اردوغان))
محمد شيخ عثمان
في مقاله الأخير بمجلة Newsweek، يعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رؤية واسعة النطاق للسياسة الخارجية التركية، قائمة على العدالة، الرفاه، السلام، والتضامن الإنساني، مع التأكيد على دور بلاده في دعم الحلول الدبلوماسية للنزاعات الإقليمية، من البحر الأسود إلى الشرق الأوسط. يبدو المقال، عند القراءة الأولى، وكأنه خارطة طريق لعالم أكثر عدلاً، حيث تُقدم تركيا كفاعل مسؤول يسعى لتحقيق مصالح الإنسان والأمن المشترك في مواجهة التحديات العالمية.
لكن، كما هو معروف، لا يمكن فصل الرؤية الخارجية عن الواقع الداخلي. فبينما يتحدث الرئيس أردوغان عن العدالة والرفاه على المستوى الإقليمي والدولي، تظل القضية الكردية في تركيا مثار تحد كبير لرؤية العدالة التي يتبناها.
وهنا تبرز مقولة أتاتورك الشهيرة: “السلام في الوطن، السلام في الداخل” (رغم انكاره للامة الكردية في تركيا وحظره اللغة الكردية) فالعدالة والرفاهية التي يتحدث عنها الرئيس أردوغان قبل انطلاقها نحو الخارج،يجب أن تُترجم أولاً إلى سياسات داخلية تعترف بحقوق جميع المكونات، بما فيها الكرد، وتؤسس لوحدة وطنية حقيقية مبنية على احترام الحقوق.
وقد كانت استجابة الرئيس أردوغان لعملية السلام بمعية دولت بَخجلي وأوجلان خطوة شجاعة في هذا الاتجاه، لكنها بحاجة إلى إرادة سياسية قوية واستراتيجية متجذرة لتصبح نموذجا ناجحا لتركيا الحديثة.
إن الرعاية الدولية للمساعدات الإنسانية ودعم وقف إطلاق النار في غزة، أو السعي لإعادة إعمار سوريا، هي بلا شك خطوات إيجابية ومهمة، لكنها لا تغني عن استحقاقات الحلول السياسية الداخلية،فالسلام العادل والاستقرار الذي تنادي به تركيا خارجيا، لا يمكن أن يُصان إلا إذا امتدت مبادئه إلى الداخل، حيث تتطلب العدالة الحقيقية الاعتراف بحقوق كافة المكونات، بما فيها الكرد، ضمن إطار ديمقراطي متكامل يحمي الوحدة الوطنية والحقوق الجماعية.
كما أن الرؤية التركية التي تعتمد على “ريادة الحلول الدبلوماسية” تتناقض أحيانا مع سياسات مركزية تشدد على التوحيد القسري للهوية والسيطرة الأمنية، وهو ما يقلل من فرص تحقيق الرفاه الاجتماعي والانسجام الوطني على المدى الطويل، فالصورة التي تقدمها تركيا للعالم من جهة، يجب أن تنسجم مع واقعها الداخلي من جهة أخرى، وإلا فإن أي دور خارجي سيبقى ناقصا وغير متكامل،والحلول الجزئية أو القمعية داخل الدولة تضعف مصداقية أي دور خارجي، مهما كان إنسانياأو دبلوماسيا.
باختصار، يبقى التحدي الأكبر أمام تركيا ليس فقط في تعزيز العدالة والرفاه عالميا، بل في إظهار قدرة حقيقية على معالجة المشكلات الداخلية، وعلى رأسها القضية الكردية.
إن الرؤية التي يطرحها أردوغان رؤية انسانية مسؤولة و جريئة ،لكنها ستظل ناقصة ما لم تشتمل على خطة واضحة للتوافق الداخلي، تكفل الحقوق وتحمي الوحدة الوطنية، بحيث يصبح نموذج العدالة والرفاه الذي تدعمه تركيا في الخارج انعكاساً حيا لما تحقق في الداخل.
هنا يبرز السؤال الجوهري: كيف يمكن لتركيا أن تكون نموذجا للسلام والعدالة عالميا، إذا كانت العدالة في وطنها لا تزال قيد الانتظار؟ الحل يكمن في تعزيز إرادة سياسية صلبة، واستراتيجية متكاملة، تجعل السلام في الداخل حقيقة ملموسة، قبل أن يتحول إلى رسالة للعالم.
*نص مقال الرئيس اردوغان في مجلة (نيوزويك ):

