*محمد شيخ عثمان
أوصى الأطباء الألمان الرئيس مام جلال طالباني بالبقاء في مستشفاهم حتى يستعيد عافيته تمامًا، غير أن الرسائل القادمة من العراق كانت أشد إلحاحًا من نصائح الطب. فقد أكد الأمريكيون أن الوضع هناك يمر بمرحلة حرجة، وقالوا له بصراحة: “عد إلى العراق، فمجرد وجودك حتى في السليمانية بصورة مؤقتة كفيل بأن يمنح الجميع في العراق الاطمئنان.”
تجاوز مام جلال وصايا الأطباء، وعاد إلى السليمانية. وهناك، لم يتوقف الإلحاح؛ إذ ناشده القادة السياسيون العراقيون العرب أن يشد الرحال إلى بغداد، فوجوده في العاصمة ــ كما كانوا يقولون ــ يعزز الأمن والوئام، ويشكل صمام أمان للبلاد.
وبإحساسه العميق بالمسؤولية الوطنية، غلّب الرئيس طالباني همَّ الوطن على همِّه الصحي، وغادر السليمانية متجهًا إلى بغداد ليواصل لقاءاته مع الفرقاء، وليطمئن أبناء شعبه بأن العراق سيعبر أزماته بخطوات واثقة نحو الاستقرار.
لكن القدر كان أسرع من رجاءاته؛ ففي ذروة حواراته مع القوى السياسية، باغتته الوعكة الأليمة التي غيّبت حضوره الفعّال، لتدخل البلاد بعد غيابه في دوامة أزمات متلاحقة. وحتى اليوم، لا يزال العراقيون يرددون بمرارة: “لو كان مام جلال حاضرا،لما وصلنا إلى ما نحن فيه.”
ولهذا، كل عام وفي ذكرى رحيله، نستذكر مآثره بفخر واعتزاز، ونؤكد أهمية الالتزام بنهجه الحكيم في إدارة وحكم العراق الاتحادي، بوصفه الطريق الأقصر نحو الاستقرار والازدهار والوحدة الوطنية والشراكة الحقيقية.


