عباس عبدالرزاق
في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2025، سجّل المشهد الفلسطيني لحظة سياسية مفصلية حين أعلنت حركة حماس قبولها بمبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المعروفة إعلاميًا بـ«مبادرة غزة للسلام». هذه المبادرة التي جاءت بعد عام من الحرب المدمّرة، شكّلت منعطفًا في مسار الصراع، ليس فقط بسبب بنودها، بل بسبب التوقيت والظروف التي أحاطت بها.
المبادرة ومضامينها العامة
تتضمن المبادرة الأميركية عشرين بندًا رئيسيًا، تركز على وقف إطلاق النار الشامل، والإفراج المتبادل عن الأسرى والرهائن، وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من القطاع، مع تسليم إدارة غزة إلى هيئة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط، تحت إشراف عربي ودولي. كما تنص الخطة على ضخ مساعدات عاجلة لإعادة الإعمار، وفتح المعابر، وضمان عودة الحياة المدنية تدريجيًا، مع بحث مسألة نزع السلاح على مراحل لاحقة.
ورغم الطابع الأميركي المعلن، إلا أن المبادرة حظيت بدعم واضح من مصر وقطر وتركيا، وبتأييد حذر من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
قبول حماس: واقعية تكتيكية أم تحوّل استراتيجي؟
قبول حماس بالمبادرة لم يكن مطلقًا، بل جاء «مشروطًا ومرنًا». ففي بيانها الرسمي الصادر في الثالث من تشرين الأول، أعلنت الحركة موافقتها على البنود المتعلقة بالإفراج عن الأسرى ووقف إطلاق النار، واستعدادها للدخول في مفاوضات فورية عبر الوسطاء لمناقشة التفاصيل التنفيذية.
لكن الحركة تجنبت الخوض في بند نزع السلاح الكامل، معتبرة أن «المقاومة حق مشروع ما دام الاحتلال قائمًا»، وهو ما يعكس إدراكها لحساسية المرحلة. فالحركة اليوم تجد نفسها أمام واقع ميداني منهك، وحصار إنساني خانق، وضغط شعبي متزايد لإنهاء الحرب، ما جعل القبول بالمبادرة خطوة براغماتية أكثر منها تخلّيًا عن الثوابت.
الموقف الإسرائيلي والدولي
في المقابل، جاء الرد الإسرائيلي مترددًا. فبينما أبدت حكومة نتنياهو ترحيبًا حذرًا بـ«أي خطوة تضمن عودة الرهائن»، فإنها رفضت التعهّد المسبق بانسحاب كامل من غزة أو الاعتراف بهيئة إدارة فلسطينية مستقلة. ويبدو أن تل أبيب تراهن على الزمن وعلى استمرار الضغط الميداني لفرض شروطها من موقع القوة.
أما الولايات المتحدة فتعاملت مع الرد الحمساوي على أنه «فرصة حقيقية لإنهاء الحرب»، ودعت الطرفين إلى مفاوضات عاجلة في القاهرة برعاية مشتركة مع قطر ومصر. في حين رحّبت الأمم المتحدة والدول الأوروبية بالتطور وعدّته «خطوة أولى على طريق تسوية أوسع قد تفتح الباب أمام إعادة إحياء المسار السياسي الفلسطيني».
مشهد ما بعد القبول: تهدئة حذرة وتفاوض عسير
على الأرض، لوحظ انخفاض نسبي في وتيرة القصف الإسرائيلي عقب إعلان حماس، مع تزايد الحديث عن اتفاق تهدئة مؤقتة تمهيدًا للتبادل الإنساني. غير أن القلق ما يزال قائمًا، إذ تخشى الأوساط الدولية من انهيار التفاهم في حال تعثر النقاش حول القضايا الجوهرية، مثل دور حماس المستقبلي وضمانات التنفيذ.
وفي الوقت ذاته، بدأت التحركات الدبلوماسية تتكثف لإرساء آليات إدارة مدنية جديدة في القطاع، وهو ما يُنظر إليه كاختبار لمستقبل الحكم في غزة بعد الحرب.
قراءة تحليلية: بين الشرعية والموقع
قبول حماس بالمبادرة الأميركية يعكس تحولًا في استراتيجيتها بعد عقدين من المواجهة المستمرة. فالحركة التي كانت ترفض أي تدخل أميركي في الملفات الفلسطينية، تجد نفسها اليوم مضطرة إلى التعامل مع مبادرة تحمل توقيع واشنطن، وهو ما يشير إلى تطور في خطابها السياسي نحو البراغماتية الواقعية.
في المقابل، تحاول إسرائيل توظيف المبادرة لترسيخ معادلة «الأمن مقابل الإعمار»، فيما تعمل واشنطن على إعادة هندسة المشهد الفلسطيني بحيث لا يبقى خارج مظلتها، خاصة في ظل تراجع نفوذ السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
الخاتمة: بين احتمالات الانفراج والانفجار

