عباس عبدالرزاق
تشهد الساحة السورية في الأسابيع الأخيرة حراكاً سياسياً وأمنياً مكثفاً يوازيه تصاعد في التوترات الميدانية شمال البلاد، خصوصاً في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، بالتزامن مع لقاءات أميركية متكررة مع قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وعلى رأسها القائد العام مظلوم عبدي. ورغم أن تفاصيل بعض هذه الاجتماعات بقيت في دائرة التكتم، فإن تسريبات من مصادر كردية وإقليمية تحدثت عن لقاء جمع المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس بارّاك، بمظلوم عبدي في عمّان خلال يوليو/تموز الماضي ، بينما أشارت تقارير غربية إلى اجتماعات أخرى داخل مناطق الإدارة الذاتية تناولت مستقبل اتفاق آذار الموقّع بين “قسد” والحكومة السورية حول إدارة المعابر وحقول النفط .
وتأتي هذه اللقاءات في سياق إعادة تقييم واشنطن لعلاقاتها مع حلفائها المحليين ومحاولة ضبط إيقاع التوتر مع دمشق وموسكو وأنقرة.
رسائل أميركية مزدوجة
تُدرك واشنطن أن “قسد” تمثل ركيزة أساسية في استراتيجيتها شرق الفرات، لكنها أيضًا ورقة حساسة في المفاوضات غير المباشرة مع دمشق وأنقرة.
وتسعى الإدارة الأميركية إلى منع أي صدام واسع بين الجيش السوري و”قسد”، والحفاظ على استقرار مناطق النفط والمعابر إلى حين اتضاح مسار التسوية السياسية الأشمل .
كما تحاول واشنطن إرسال رسالة مزدوجة: دعم متواصل لقواتها المحلية، وفي الوقت ذاته التأكيد على وحدة الأراضي السورية لتفادي اتهامات الانفصال.
التحركات السورية ورسائل دمشق
في المقابل، شهدت الأسابيع الماضية تحركات ميدانية سورية لافتة، سواء في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية أو في ريف الرقة والحسكة، حيث دفعت دمشق بتعزيزات محدودة إلى بعض النقاط، وأعادت فتح قنوات اتصال غير معلنة مع وجهاء العشائر
وتشير مصادر مقربة من الحكومة السورية إلى أن دمشق تسعى إلى إعادة تثبيت حضورها الإداري والاقتصادي في مناطق الإدارة الذاتية، خاصة في ما يتعلق بالمؤسسات الخدمية والمعابر، في إطار تنفيذ جزئي لبنود اتفاق آذار . في هذا السياق، يبدو أن التحركات السورية تحمل بعدين متوازيين:
-
ضغط ميداني محسوب لتذكير “قسد” بحدود استقلالها الفعلي،
-
ورسالة سياسية إلى واشنطن وموسكو بأن دمشق لن تقبل بأي صيغة دائمة تُكرّس الإدارة الذاتية ككيان منفصل.
التوتر الميداني في حلب
تزامن ذلك مع اشتباكات محدودة وتوترات متصاعدة في الشيخ مقصود والأشرفية، دفعت الجيش السوري إلى إغلاق بعض الطرق المؤدية إلى المنطقة
ورغم تدخل وساطات روسية لاحتواء الموقف، فإن الحادثة كشفت هشاشة التفاهمات السابقة، وأظهرت أن ملف العلاقة بين الجيش السوري و”قسد” ما زال دون تسوية نهائية.
روج آفا بين ضغوط الداخل والخارج
بالنسبة للإدارة الذاتية، فإن هامش المناورة يضيق. فهي تعتمد على الدعم العسكري الأميركي لتأمين مناطقها من أي تهديد تركي، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع تجاهل الضغط السوري والروسي لإعادة دمج هذه المناطق ضمن بنية الدولة .
ومع استمرار العقوبات الاقتصادية، تواجه روج آفا تحديات معيشية متزايدة، خاصة في ظل تراجع تدفق القمح والنفط من بعض الحقول الخاضعة للتفاوض، واحتدام الخلافات حول توزيع العائدات.
البعد الإقليمي: أنقرة وطهران في الحسابات الجديدة
لا يمكن فصل التحركات السورية والأميركية عن السياق الإقليمي الأوسع.
فأنقرة تواصل التلويح بعمليات عسكرية جديدة في الشمال السوري، خاصة في تل رفعت ومنبج، بذريعة مواجهة “التهديد الكردي”، في حين تعتبر دمشق أن أي توغل تركي جديد هو انتهاك للسيادة الوطنية ومحاولة لإعادة رسم خرائط السيطرة .
أما طهران، فتكثّف حضورها في محيط دير الزور والبوكمال عبر ميليشيات حليفة، ما يجعل المنطقة ساحة تنافس بين أربعة أطراف: واشنطن، دمشق، أنقرة، وطهران — وكلٌّ منها يسعى لفرض معادلة نفوذ ميداني قبل أي تسوية سياسية شاملة .
قراءة في المشهد المقبل

