د. محمد وليد صالح
أيام فاصلة بين حدثين مهمين على جمهورية العراق بلغت أحد عشر يوماً بين الذكرى الخامسة بعد المئة لتأسيس الدولة العراقية الحديثة في الثالث والعشرين من شهر أيلول عام 1921، والذكرى الثالث والتسعين لعيد الاستقلال وهو اليوم الوطني العراقي في الثالث من شهر تشرين الأول عام 1932.
إذ يعد اليوم الوطني إعلان العراق كدولة مستقلة وذات سيادة بعد انتهاء مدة الانتداب البريطاني والدخول في عصبة الأمم المتحدة بوصفه أول دولة عربية والسابعة والخمسين التي انضمت لها ومكانته العالمية، بعد المفاوضات السياسية وجهود الدبلوماسية العراقية المدعومة بالمساندة الشعبية، مما أدى إلى إنهاء الانتداب بفضل دعم شخصيات وطنية بارزة مثل الملك فيصل الأول ودوره المحوري في بناء الدولة وتوحيد صفوفها وقيادة البلد في هذه المرحلة الحاسمة نحو الاستقلال.
وأصبح بناء الصورة الذهنية للدولة أحد مرتكزات بقاءها واستمرارها كلاعب سياسي، عبر وسائل الإعلام بوصفها أداة من أدوات صناعة هذه الصورة عن طريق وضعها للأطر وتحديد أولويات القضايا والأحداث وصناعة خريطة للعالم.
وتختلف هذه الوسائل من ناحية تأثيرها عليه فهي أما ان تكون بطريقة مباشرة لتقديم برامج ذات اتجاهات واضحة يفهمها المتلقي، أو يكون تأثيرها بطريقة غير مباشرة (تراكمية) عبر الامتداد الزمني الذي يسهم في رسم صورة عن الأشياء من حولنا، واتجاهاتنا وسلوكنا حيال الواقع المحيط بنا، فلم يتوقف دور هذه الوسائل على طرح القضايا التي يفكر حولها الأفراد، وإنما تقدم لهم الطرائق والأساليب التي تعلمهم كيفية التفكير حولها.
إذ تستعمل برامج ذات قدرة جماهيرية، ولكن تتوقف كفاية هذه البرامج وفعاليتها الاقناعية على مدى تناغم الجهود الاتصالية والإدارية المنظمة مع الشواهد الواقعية، وإلا تكون ضمن حملة إعلامية ذات تأثير محدود ولاتحقق أهدافها المرجوة، فضلاً عن دعم تصورات محببة للتأثير في المجتمع لتبني الأطر المعبرة عن وجهة نظرهم، وقد تتحول إلى دعاية غير مقبولة، عن طريق تكنيكات لتحوير الحقائق أو تحريفها وعرضها بشكل مخالف للواقع وبأسلوب مكثّف في رسم الأحداث.
وذلك يتطلب إيجاد نوع من التوازن في عَلاقة رجال الإعلام بالسلطة السياسية لتأكيد عنصر الاستقلالية لوسائلهم وتجنب تبني وجهات نظر معينة، ولاسيّما بناء العلاقات بين المؤسسات العلمية والإعلامية والثقافية داخل البلد وخارجه تعد مسألة غاية في الأهمية، بهدف تأمين مصادر التنمية الثقافية ورسم البدائل وتحديد الأهم منها على وفق المتغيرات المحلية والدولية الجارية والمستقبلية.
ولا تقتصر مسؤولية وسائل الإعلام على نقل ما يجري وتحليله سياسياً وأمنياً واقتصادياً وثقافياً، وإنما تؤدي دور أساس في إرساء صورة الدولة الداخلية والخارجية، التي تتطلب اعتماد جهود متواصلة لبناء وتصحيح وتدعيم الصورة الذهنية الايجابية ومعالجة الجوانب السلبية بوساطة تنظيم عمل وسائل الإعلام على وفق استراتيجية وطنية، وخاصة ما يتصل بالأحداث التي تشهدها الساحة العراقية، لأن الشأن السياسي المحلي يساعد في إرسال صورة متغيرة، فضلاً عن انتاج خطاب الدولة الإعلامي والسياسي المنسجم مع رؤية التنمية المستدامة 2020/ 2030 للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، إذ تحتاج إلى ان تكون أكثر تفاعلاً مع المجتمع الدولي عبر العلاقات الدولية المتكافئة.