الكاتب.. شفاء الكناني
يُعد الإعلام الرقمي نافذة مباشرة للناخبين نحو المعرفة والمعلومة الدقيقة، فهو يسهل الوصول إلى البرامج الانتخابية ومقارنتها بسهولة وسرعة، وفي الوقت نفسه يمكّن المواطنين من المشاركة الفاعلة وإبداء آرائهم مباشرة. كما يعزز شفافية العملية الانتخابية ويقوّي حس المسؤولية المدنية لدى الجمهور، ما يجعله أداة أساسية في العملية الديمقراطية الحديثة.أصبحت العملية الانتخابية في العصر الرقمي أكثر تفاعلاً بفعل الحضور المتزايد للإعلام الرقمي. فدوره لم يعد مقتصرًا على نقل الأخبار أو تغطية الحملات الانتخابية، بل تجاوز ذلك ليغدو أداة رئيسية في توجيه الرأي العام وصياغة اتجاهات الناخبين. وعلى الرغم من الفرص الواسعة التي يتيحها، فإن هذا الدور يواجه تحديات عديدة تستلزم حلولاً عملية لضمان الاستخدام الأمثل لهذه الوسيلة.أول هذه التحديات تتمثل في انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، إذ قد تؤثر بشكل مباشر في قناعات الناخبين واختياراتهم. فمعلومة مغلوطة تنتشر عبر وسائل التواصل، يمكن أن تغيّر مواقف شريحة واسعة خلال وقت قصير. ولمعالجة هذه الظاهرة، تبرز الحاجة إلى تعزيز الثقافة الإعلامية لدى الجمهور، وتشجيعهم على التحقق من المصادر، إضافة إلى سنّ تشريعات واضحة تردع الجهات، التي تروّج لمثل هذه الأخبار، وتضمن وصول المعلومات الصحيحة بسرعة وموثوقية.
التحدي الثاني هو الاستقطاب الرقمي، حيث تتحول المنصات إلى ساحة انقسام حاد بين المؤيدين والمعارضين، ما يضعف فرص الحوار البنّاء. وللتغلب على ذلك، يتطلب الأمر تشجيع الخطاب المعتدل من جانب الحملات الانتخابية، وإطلاق مبادرات إعلامية تعزز الحوار الهادئ، وتبتعد عن التحريض ولغة الكراهية.أما التحدي الثالث فيكمن في الإيقاع السريع للمعلومة وصعوبة التحقق منها، فطبيعة الإعلام الرقمي تجعل الأخبار تنتشر خلال ثوانٍ، وهو ما يضاعف احتمالية تداول مواد غير دقيقة قبل التثبت من صحتها. والحل يكمن في تعزيز دور المؤسسات الإعلامية الموثوقة كمصادر رئيسية للمعلومة، وتطوير آليات تحقق سريعة تعتمد على التكنولوجيا، إضافة إلى نشر ثقافة التريث لدى الجمهور قبل إعادة مشاركة الأخبار.ويضاف إلى ذلك مشكلة ضعف وصول الرسائل الرقمية إلى شرائح معينة، ككبار السن أو الفئات ذات الاتصال المحدود بالإنترنت. ولمعالجة هذا التحدي، من الضروري الدمج بين الإعلام الرقمي والإعلام التقليدي، لضمان شمول العملية الانتخابية وعدم تهميش أي فئة اجتماعية.
ورغم هذه العقبات، يظل الإعلام الرقمي مساحة رحبة لتعزيز المشاركة الشعبية، إذ يمنح الناخبين القدرة على التعبير عن آرائهم ومراقبة سير العملية الانتخابية بقدر أكبر من الشفافية. لكن هذه الفرصة لن تحقق أهدافها، إلا إذا استُخدمت بوعي ومسؤولية من قبل المشاركين، والمؤسسات الإعلامية، والجمهور نفسه.في المحصلة، يمثل الإعلام الرقمي ركيزة محورية في العملية الانتخابية المعاصرة. فهو أداة يمكن أن تدعم الديمقراطية والشفافية، أو تتحول إلى وسيلة للتضليل والاستقطاب إذا غابت عنها الضوابط. ومن هنا، فإن تبني الحلول القائمة على التشريعات الصارمة، والتربية الإعلامية، والالتزام بالمعايير المهنية، يعد السبيل الأمثل لضمان أن يبقى الإعلام الرقمي عنصرًا فاعلًا في ترسيخ النزاهة والارتقاء بالوعي الانتخابي.وختامًا يمكن القول: إن نجاح العملية الانتخابية في العصر الرقمي لن يقاس فقط بالنتائج، بل بمدى وعي الناخبين وقدرتهم على التفاعل بشكل رشيد ومسؤول مع المعلومات التي تصل إليهم. فالإعلام الرقمي، إذا ما استُخدم بوعي، يصبح أداة تمكينية تمنح كل مواطن صوتًا فاعلًا، وتبني مجتمعًا أكثر شفافية ومشاركة، وتحفظ استمرارية الديمقراطية في كل انتخابات مقبلة.
المصدر ..الصباح