د. فؤاد أحمد
يمتلك الاتحاد الوطني الكردستاني في إقليم كردستان والعراق عمومًا أدوات انتخابية وسياسية غنية مكّنته من أن يكون أحد أكثر الأطراف السياسية واقعية في تعامله مع التحولات والأحداث التي مرّ بها العراق خلال العقود الماضية.
فمنذ ما قبل سقوط النظام العراقي السابق، كانت توقعات الرئيس جلال طالباني دقيقة وبعيدة النظر، حين أعلن استعداد الكرد لدعم التحالف الدولي في إسقاط نظام صدام حسين. ورغم الانتقادات الشديدة التي وُجهت إليه آنذاك من أطراف سياسية كردية وعربية، إلا أن الأحداث أثبتت صواب رؤيته، وجنى الجميع لاحقًا ثمار تلك المواقف الجريئة.
خلال مرحلة تحرير العراق، شاركت قوات البيشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني بفاعلية في العمليات العسكرية، وكان حضورها الميداني والسياسي مؤثرًا. وبعد التحرير، انتقل الاتحاد إلى بغداد بثقله الكامل، إدراكًا منه أن ضمان حقوق الشعب الكردي لا يتحقق إلا من داخل مؤسسات الدولة العراقية، فشارك بفعالية في إعادة صياغة أسس الدولة على أسس جديدة تضمن العدالة والمواطنة المتساوية.
كما لعب الاتحاد دورًا رياديًا في تأسيس أول مؤسسة تشريعية عراقية مؤقتة، وهي النواة الأولى لأي نظام ديمقراطي، حيث أُسندت رئاستها إلى ممثل عن الاتحاد الوطني الكردستاني، تقديرًا لدوره الوطني.
وفي مرحلة صياغة الدستور العراقي، ترك الاتحاد بصماته الواضحة، خاصة في الفصول المتعلقة بالديمقراطية وحقوق المكونات القومية والدينية. وكان هو صاحب المبادرة في ترسيخ مبدأ الفيدرالية، وتحويل العراق من دولة مركزية إلى دولة اتحادية، بناءً على اقتراح الرئيس طالباني نفسه. كما ابتكر الاتحاد فكرة كوتا المكونات لضمان تمثيلهم وحماية حقوقهم في البرلمان، وحرص على أن تُحصن مواد الدستور من التعديل التعسفي الذي قد يمس حقوق الكرد والمكتسبات الديمقراطية.
وفي مرحلة ما بعد الدستور، واصل الرئيس جلال طالباني عبر رئاسته لجمهورية العراق لدورتين حماية حقوق جميع العراقيين، وفي مقدمتهم الشعب الكردي. فكان وجوده في أعلى منصب سياسي ضمانة للاستقرار والتوازن بين بغداد والإقليم، حيث كانت الخلافات حينها تُحلّ ضمن الإطار الدستوري والقانوني، بعيدًا عن التوترات والمزايدات السياسية، دون أن تمس حياة المواطنين في كردستان.
إن هذا الاستعراض السريع لمسار الأحداث منذ سقوط النظام وحتى تأسيس الدولة العراقية الجديدة، يبيّن بوضوح أهمية وجود الاتحاد الوطني الكردستاني كقوة فاعلة في بغداد، تدافع عن حقوق الشعب الكردي وتعمل على ترسيخ أسس الدولة الديمقراطية الاتحادية.