في عام 1867، وفي أعماق الغابات الكثيفة بالهند، وتحديدًا بالقرب من بلدة بولاندشار في ولاية أتر برديش، عثر بعض القرويين على طفل صغير عارٍ تمامًا، يمشي على أربع كالحيوانات، ويُصدر أصواتًا تشبه العواء. كان الطفل يعيش بين مجموعة من الذئاب، يشاركها الطعام نفسه ويأكل من فريستها. لم يصدق القرويون ما رأوه، فسارعوا بإبلاغ السلطات.
وعندما حاولت السلطات الإمساك بالطفل، اضطرت إلى إطلاق النار في الهواء لتفريق الذئاب التي كانت تدافع عنه بشراسة كما لو كان واحدًا منها. وبعد جهد كبير، تمكنوا من إنقاذه، وأُطلق عليه فيما بعد اسم “دينا سانتشي”، وكان عمره آنذاك يقارب ست سنوات.
كانت الصدمة كبيرة؛ فالطفل لم يكن يعرف الكلام، ولا يستطيع الوقوف على قدميه، كما كان يخاف من البشر، ويفضّل أكل اللحم النيء، ويُصدر أصوات نباح عندما يشعر بالتوتر، وينام متكورًا مثل الحيوانات البرية.
نُقل الطفل إلى أحد الأديرة التابعة للكنيسة، حيث حاول الرهبان علاجه نفسيًا وسلوكيًا. وبعد سنوات من المحاولات، تمكن من المشي على قدميه وتناول الطعام بطريقة طبيعية، لكنه لم يتعلم الكلام مطلقًا، ولم يستطع التواصل كبقية الأطفال.
انتشرت أخبار هذا الطفل في أوروبا، وخاصة في إنجلترا، وبدأت الصحف تكتب عنه بوصفه “الولد الذي ربّته الذئاب”. وقد كانت قصته من أبرز الإلهامات التي دفعت الكاتب البريطاني إدغار رايس بوروز إلى كتابة روايته الشهيرة طرزان عام 1912، التي تروي حكاية طفل تربّى في الغابة بين القرود.
توفي دينا سانتشي عام 1895، بعد حياة قضاها شبه معزول عن المجتمع، رغم كل الجهود التي بُذلت لمساعدته. ومع ذلك، ظل اسمه رمزًا للتساؤل الدائم بين الطبيعة والتنشئة، وذُكر في كتب علم النفس كأحد أشهر “أطفال البرية” في التاريخ.
فليست هذه القصة مجرد حكاية، بل مأساة إنسانية حقيقية عن طفل اختُطف من عالم البشر وأُلقي في أحضان الغابة، فتحوّل من إنسان إلى كائن بري، ثم حاولوا إعادته إلى عالمه الأول، لكن الحياة كانت قد غيّرته إلى الأبد.