أولًا: يُولد الإنسان في حالة من عدم الاكتمال الشديد مقارنة بمعظم الكائنات الأخرى؛ فهو عند ولادته غير قادر على المشي أو حتى رفع رأسه، ويحتاج إلى رعاية متواصلة لأشهر طويلة.
بينما نجد أن صغار الغزلان والخيول والزرافات، مثلًا، تتمكن من الوقوف والمشي خلال ساعات قليلة من ولادتها. وهنا يبرز السؤال: لماذا يُولد الإنسان بهذه الدرجة من العجز؟
ثانيًا: التفسير العلمي يرتبط بما يُعرف بـ “معضلة الولادة البشرية”. فدماغ الإنسان كبير للغاية، ولو استمر الجنين داخل الرحم حتى يكتمل نمو دماغه كما في الحيوانات الأخرى، لما أمكنه الخروج من قناة الولادة بسبب ضيق الحوض البشري.
وقد تطوّر الحوض عند الإنسان ليتناسب مع المشي المنتصب على قدمين، مما جعله أضيق من حوض باقي الثدييات. لذلك يُولد الجنين قبل اكتمال نموه العصبي والعقلي، وكأن الولادة تحدث “قبل أوانها”.
ثالثًا: تُعد السنة الأولى من عمر الطفل خارج الرحم بمثابة مرحلة جنينية خارجية أو ما يُسمّى مجازًا “الولادة الثانية”.
ففي هذه الفترة، ينمو الدماغ بسرعة هائلة، إذ تتكوّن مليارات الوصلات العصبية ويتضاعف حجمه تقريبًا.
أما في أغلب الحيوانات، فيكتمل نمو الدماغ قبل الولادة، ولهذا تكون قادرة على الحركة والتفاعل فورًا بعد مجيئها إلى الحياة.
رابعًا: هذا ليس ضعفًا في الإنسان، بل اختيار تطوّري ذكي ومعقد.
فبدل أن يكتمل نمو الدماغ داخل الرحم، يكتمل خارجه في بيئة اجتماعية محفزة مليئة بالتفاعل والتعلّم.
وهذا ما أتاح للبشر تطوير قدرات عقلية فريدة مثل اللغة، والخيال، والتفكير المجرد.
خامسًا: يؤكد علماء الأعصاب أن الدماغ البشري في عامه الأول بعد الولادة ينمو بسرعة تضاهي نمو الجنين داخل الرحم، ما يعني أن الإنسان يُولد فعليًا قبل اكتمال تطوّره العصبي، ثم ينضج تدريجيًا داخل حضن أمه ومجتمعه.
ولهذا يُطلق بعض الباحثين على الطفل في عامه الأول مصطلح “الجنين الخارجي”، إذ لا تكون أنظمته العصبية قد بلغت بعد مرحلة النضج الكامل.
سادسًا: الفارق الجوهري بين الإنسان وسائر الحيوانات هو أن الأخيرة تعتمد على الغرائز الفطرية فور ولادتها، أما الإنسان فيعتمد على التعلّم والخبرة.
فهو كائن قابل للبرمجة يبدأ من الصفر ويكتسب مهاراته ومعرفته تدريجيًا.
ولو اكتمل نمو دماغه داخل الرحم، لما كان من الممكن أن يولد بأمان بسبب كبر حجمه.