د. فؤاد أحمد*
كانت المؤسّسات الرسميّة والقانونيّة في الإقليم، وفي مقدّمتها برلمان إقليم كوردستان المنتخب من قِبل شعب كوردستان، المنبرَ الشرعيَّ الأوّل الذي خاطب من خلاله قادة المعارضة العراقيّة جماهير الإقليم والشعب العراقيّ عامّة. ومن على منابر هذا البرلمان، عُرض البرنامج السياسيّ لبناء عراقٍ جديدٍ يتّسع لجميع أطياف أبنائه دون إقصاءٍ أو تهميش، ويؤسّس لمرحلةٍ ديمقراطيّةٍ تقوم على التعدّديّة والعدالة والمواطنة الحقّة.
لقد لعب برلمان إقليم كوردستان دورًا محوريًّا في دعم مسار التغيير السياسيّ في العراق، إذ لم يكن مجرّد مؤسّسة تشريعيّة محلّية، بل أصبح صوتًا وطنيًّا يعكس إرادة شعبٍ يتوق إلى الحرية والديمقراطية. ومن خلال مواقفه وقراراته الجريئة، وقف البرلمان إلى جانب القوى الوطنيّة الساعية إلى إنهاء الاستبداد، وفتح أبوابه للحوار بين مكوّنات المعارضة العراقيّة. كما شكّل إطارًا سياسيًّا شرعيًّا أتاح لتلك القوى أن تعبّر عن رؤاها وتوحّد صفوفها، ليكون الإقليم نموذجًا مبكرًا للتعايش السياسيّ والتداول السلميّ للسلطة.
وفي هذا السياق، استضاف برلمان إقليم كوردستان في إحدى جلساته المبكرة، وتحديدًا في الجلسة رقم (44) بتاريخ 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1992، أعضاء هيئة رئاسة المؤتمر الوطني العراقي الموحّد وأعضاء مجلسه التنفيذي، بعد اجتماعهم الموسّع الأوّل على أرض الإقليم المحرّرة.
وفي كلماتهم المقتضبة، أشار كلٌّ من المرحوم الدكتور محمد بحر العلوم، والمرحوم حسن مصطفى النقيب، والمرحوم الدكتور أحمد الجلبي، بصفتهم أعضاء هيئة رئاسة المؤتمر الوطني العراقي الموحّد، إلى أهمية وجود مؤسّسات منتخبة ديمقراطيًّا، وباركوا خطوة شعب كوردستان في انتخاب برلمانه الحرّ ليكون منبرًا لمخاطبة الشعب العراقي، ونواةً لعراقٍ ديمقراطيٍّ مستقلّ. كما أكّدوا أنّ انتخاب برلمان كوردستان يُعدّ تطورًا سياسيًّا مهمًّا في تاريخ العراق، إلى جانب المؤتمر الوطني العراقي الموحّد الذي مثّل إرادة أغلبية الشعب العراقي في تلك المرحلة.
كما شارك أعضاء هيئة رئاسة المؤتمر الوطني في جلسة أخرى مخصّصة لبحث الظروف الصعبة التي مرّ بها إقليم كوردستان آنذاك، وكان لقادة المعارضة العراقية دورٌ وطنيٌّ فاعل في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية في الإقليم.
وفي تلك الجلسة، الرقم (11) بتاريخ 24 كانون الثاني/يناير 1994، ألقى المرحوم الدكتور محمد بحر العلوم، عضو هيئة رئاسة المؤتمر الوطني العراقي الموحّد (INC)، كلمة أشار فيها إلى أنّ المنطقة المحرّرة من كوردستان انعقدت عليها آمال كلّ العراقيين، مؤملًا أن تمتدّ تجربتها الرائدة إلى كلّ الوطن في القريب العاجل عندما يسقط النظام، مشيرًا إلى أنّ هذه البقعة من هذا الوطن الكبير هي مأمنٌ وملاذٌ لكل العراقيين حتى نتمكّن من خلالها من سحق الدكتاتورية وإسقاطها.
كما أشار المرحوم الدكتور أحمد الجلبي، عضو هيئة الرئاسة في المؤتمر الوطني (INC)، إلى أنّ الشعب الكوردستاني في العراق له فضلٌ وشرفٌ كبير في استضافة قوى المعارضة العراقية في هذه القطعة من أرض العراق، وأنّ هذا الشعب قد تحمّل مخاطر جسيمة عندما قرّر، عبر قيادته السياسية وحكومته وبرلمانه، أن يكون في طليعة العمل السياسي المعارض لتحرير العراق، وأنّ الشعب العراقي لن ينسى هذه المبادرة التاريخية.
وقد تكرّرت هذه الاستضافات في مناسباتٍ أخرى، حيث فتح برلمان كوردستان أبوابه أمام قادة المعارضة العراقيّة وشخصيّات وطنيّة مؤيّدة لتطلّعات الشعب العراقي، حتى تكلّلت تلك الجهود بتحرير العراق من نير النظام الدكتاتوري في عام 2003.
وهكذا أثبت برلمان كوردستان أنّ الإرادة الشعبيّة حين تجد مؤسّساتها الحرّة، تكون قادرةً على إحداث التغيير الحقيقي، وفتح الطريق أمام العراق نحو نظامٍ ديمقراطيٍّ يضمن العدالة والمساواة لكلّ مواطنيه، ويعيد للوطن مكانته التي تليق بتضحيات أبنائه.
*مدير مركز ابحاث برلمان اقليم كوردستان