كتابة: عماد أحمد
ترجمة: نرمين عثمان محمد/ عن صحيفة کوردستانی نوێ
في اليوم الأول من شهر تشرين الثاني عام 2025، انطلقنا نحو حملة الدعوة للدورة السادسة لمجلس النواب العراقي ، متوجهين إلى مدينة خانقين.
استغرق الطريق من السليمانية إلى خانقين قرابة ثلاث ساعات. لحسن الحظ، أُصلح جزء كبير من الطريق بين السليمانية وكلار، مما جعل السفر أكثر سلاسة وأقل معاناة من مشاكل المرور.
خلال الرحلة، كنت غارقًا في خيالاتي وذكرياتي وتأملاتي. أول ما رأيته كان نصب الشهيد آزاد هورامي، متجهاً نحو هورامان، وقال لنا بلغته العذبة : “كونوا في حماية الله”.
وعندما اقتربنا من دربنديخان، وتحديداً في قرية “سياره” رأيت ظل العم درويش مرتدياً يشماغه وملابسه الكرديةالترابية، ، و عاد بي المشهد إلى عام 1993، حين كان االعم درويش يحرس الطرقات بالبندقية والكلاشينكوف. حينها امتلأ قلبي بالحزن والأسى، عندما رأيت طرفي الشارع وقد غطاها الجفاف ، فقد كانت تلك الأرض عطشى تنتظر رحمة المطر.
وفي منطقة بانيخيلان، تلك الأرض الخصبة بزراعة الرز ومياهها العذبة ، تذكّرت ملحمة محمودمامه
عه زه، ضد الجيش البعثي المحتل، كذلك رأيت أحمد بانيخيلاني، القيادي في الحزب الشيوعي العراقي محملاً بقاموسه الواسع والمليء بحكم وأمثال القدماء من أجدادنا .
وصلت الى منطقة توني بابا، فقلت في نفسي: اللهم ارفع عنا الجفاف، وأذهب بها الى “ماء آمون وتوني بابا.”(1)
تذكرت صديقتي الوفيةصاحبة المواقف هیرۆ خان، كم كانت تتمنى أن ترى تلك المنطقة ، وقد حاولنا مع الرفيق عدنان حمه مينه أن نحقق أمنيتها تلك ، ولكن للأسف لم نستطع تحقيق أمنيتها تلك بسبب وضعها الصحي.
في قرية (قوڵەبەرز) عادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام التي أوصلت فيها (السيدة وصفية) مسدساً عبر سيارة علي باپیر الخانقيني إلى الملازم جوامير وخلايا (هەڵۆی سوور) في بغداد.
وفي قرية (بەرلووت ) تذكرت جوهر نامق واتفاقية واشنطن عام 1998 ووفدي الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
وقبل أن نصل إلى مدينة كلار، ،وقع عيني على منزل وديوان أحمد كه لاري، فتذكرت الأيام التي سبقت عام 1970، حين كان يقف أحمد في فلكة كَرَندي داخل مدينة خانقين مرتدياً الزي العسكري الكردي ويُلقي بصوتِ حماسيِ قصائدالشعراء الكرددڵداروقانع والحاج قادرالكويي.
في مدينة كلار، تذكرت صلاح كويخا المضياف وإسماعيل مردان صاحب الأحاديث الجميلة
وعندما مررنا بسهل (بنكوره،) تعايشت مع حوارات شێروان شێرەوەندی الشيقة وهمّة (السيد حه مه نوري به سه) النادرة.
ثم وصلت إلى باوه مه حمي فسرح خيالي الى اليوم الرابع في أعياد رمضان والأضحى الممتعة والنادرة في خانقين ، حيث ُأصوات الطبول والمزامير، ودبكات فتاح باشا ، والدبكة الثلاثيةالتي كان يدبكها خوداداد علي والسيد جاسم و رؤوف قَيتَران ورحيم خياط وغيرهم من أبناء المدينة.
وعندما اقتربنا من خانقين، ملأت رائحةنهر (ئەڵوەن ) و ملامحَ بساتينَ خانقين أرواحنا بالأمل والبهجة، كطفلٍ يعود سعيدًا إلى حضن أمه.
استقبلنا رفاقنا في المقر بحفاوة وحرارة، وأُقيم اجتماع واسع ضمّ أعضاء لجنة خانقين ومرشحينا، وفي وسط إجتماعنا شعرنا بهزة أرضية قويةِ نوعاًما هزت خانقين ونواحيها ، أثارت بعض القلق عندبعض الرفاق، لكن إجتماعنا استمر دون انقطاع،فتذكرت ُ مقولةً لجدَتي هاجَر حول الهزة الأرضية فرويتها إلى الحضور ، فهي كانت تقول ::
(حين يحدث زلزال، إذا أستطاع َأيُ شخص أن يضع يده على الأرض وينوي نية صادقة، فستتحقق نيته فورًا) و لكننا للأسف كنا جالسين على الكراسي ولم نستطيع فعل ذلك.
بعدها توجّهنا سويًّا إلى (خضر زنده)، نحو مقبرة الشهداء، والتي هي رمز لخانقين واتحادنا الوطني الكردستاني ، حيث شعرت أن أرواحهم تحفّ بنا. تذكّرت حينها مقولة ماركيز في روايته مئة عام من العزلة والتي قرأتها قبل نحو أربعين عامًا:
(لا تنتمي إلى أرضٍ ما لم يدفن أحد أمواتك فيها)
نحن في خانقين، لدينا عشرات ُالآلاف من الشهداء الراقدين في هذا التراب الطاهر وهم شهداء الاتحاد الوطني الكردستاني ، منذ أيام النضال الأُولى و من ثم الانتفاضة وحتى شهداء سقوط الدكتاتوريةو تحرير العراق ،وفي كل تلك المراحل ظلّ الإتحاد الوطني الكردستاني وفيًّا لهذه المدينةومهتماً بها.
وكان الراحل مام جلال يردد في أغلب الأحيان شعار :
(إما كركوك وخانقين… أو سنقاتل مادمنا باقين)
وقد اتضح لنا بأنه ُأحيانًا يكون ُ جماهير ومؤيدي وأعضاء الاتحاد الوطني الكردستاني في بعض الأماكن و الأوقات المعينة أكثر حماسة وثورية من بعض القيادات نفسها!
وفي طريق عودتنا الى المدينة ، عند فُلكة باشاكوبري، ودّعنا نصب حسين منصور المُعَبِر وسلمناه إلى الله.
وأَخيراً وفي ختام هذه السلسلة من المقالات حول الحملة الانتخابية والدعوة إلى انتخابات مجلس النواب العراقي السادس، أَوَ دُ أن أقول للقارئ العزيز:
أعتذر إن أطلتُ الحديث، فقد كتبت كثيرًا من أجلك، وأحيانًا من أجل نفسي ،ولكن لازال الكثير من الأشياءِ
تحت جلدي، سآخذها إلى عالمي الخاص المنعزل، بعيدًا عنك… قريبًا من ذاتي.
(1) الى ماء آمون وتوني بابا / مثل كوردي شائع يستخدمه الكورد للدعاء على شيء يريدونه أن يبتعد كثيراً وأن لايرجع إليهم أبداً.