إحسان رشاد المفتي
٥-١١-٢٠٢٥ دبي


بداية الحكاية: عام ١٩٨٢
في أواخر عام ١٩٨٢، جمعتنا خدمة الاحتياط العسكرية في رحلة لم تكن عادية. كنا مجموعة من الرفاق والإخوة، منهم من نال الشهادة، ومنهم من وافته المنية، وبقي منا عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، لا نزال نحافظ على تواصلنا رغم تقلبات الزمان.
صديق من البصرة
من بين هؤلاء الأوفياء كان الأخ العزيز هاشم عبد المطلب أحمد من أهل البصرة الطيبين، خريج قسم الكيمياء من جامعة البصرة. جمعنا الاختصاص ذاته في مدرسة الصنف الكيمياوي، ثم في أمرية الصنف الكيميائي بالمقر العام في معسكر التاجي (٣٠ كلم شمال بغداد).
من التاجي إلى الطارق… ثم الفراق
انتقلنا بعدها إلى معسكر الطارق في منطقة الحصوة الواقعة بين أبو غريب والفلوجة على طريق محافظة الرمادي. هناك، في عام ١٩٨٣، تم تسريحنا من الجيش بسبب قوميتنا الكردية، في خطوة هدفت لقطع الطريق أمام انضمام الكرد إلى قوات البيشمركة.
ودعت صديقي هاشم حينها، وظننت أن الفراق قد يطول… ولم أكن أعلم أنه سيمتد أربعة عقود كاملة.
أربعون عاماً من الصمت
مرت أربعة عقود كاملة ولم نعرف أخبار بعضنا البعض، حتى جمعنا القدر مجدداً عبر صديق مشترك هو عثمان علي محو، شقيق الدكتور الراحل المشهور عجيب علي محو، الذي كان رفيقنا المشترك ضمن هذه القصة منذ البداية.
جسر من الرسائل اليومية
تواصلنا وتبادلنا أرقام الهواتف، وأصبحت رسائل “صباح الخير” و”جمعة مباركة” اليومية جسراً يربطنا نحن الثلاثة، يذكّرنا بأن الصداقة الحقيقية لا تموت مهما طال الزمن.
الأربعاء ٥-١١-٢٠٢٥: يوم اللقاء
لكن يوم الأربعاء ٥-١١-٢٠٢٥ كان مختلفاً. بدلاً من الرسالة المعتادة، اتصلت بهاشم وقلت له: “اليوم لا تنتظر مني رسالة معايدة، فأنا قريب منك في دبي وسوف أسلم عليك بنفسي.”عرفت بأنه يقيم في عجمان التي تبعد خمسين كيلومتراً عن دبي، واتفقنا على اللقاء فوراً.
من دبي إلى عجمان: رحلة تستحق العناء
كنت قد وصلت إلى دبي قبل أيام، وعقدت العزم على ألا أغادر دون أن ألتقي بأخي هاشم. قطعت المسافة ذهاباً وإياباً في أربع ساعات بسبب الازدحام، لكن تلك الساعات القليلة التي جمعتنا كانت تستحق عناءً أكبر من هذا فعلاً.
عندما تتلاشى ٤٣ عاماً في لحظة
جلسنا وأخذنا نستذكر تلك الأيام، فتلاشى الزمن وأصبحت الـ٤٣ عاماً وكأنها ٤٣ ثانية فقط. ذكرنا تلك الأيام بتفاصيلها وكأننا كنا نذكر أحداث يوم أمس.
أسماء ترافقها “رحمه الله”
لكن كانت جملة “رحمه الله” تتكرر كثيراً مع ذكر الأسماء. كان هناك من استشهد أو فُقد في الحرب أو مات في الغربة، ومنهم من ما زال متواصلاً معنا.
مرت الأسماء وكأننا كنا نذكرها بالأمس:
العميد الركن كنعان خورشيد عبد الوهاب / العقيد الركن صميم جلال عبداللطيف / المقدم خضر / العميد خالد علي محو/ / طارق الطابعي (استشهد) / أنور حسن عرب (توفي بألمانيا قبل أشهر)/ ستار من حرير (كان سائق العقيد صميم) / عريف مفتن عايد من موصل ن. ض. علي باقر .
وإلى جانبهم صديقنا المشترك عثمان علي محو، الذي تواصلنا معه عبر مكالمة فيديو وأجرينا حديثاً مشتركاً أعاد إحياء الذكريات.
طيبة لا تُنسى
أهل البصرة القدماء يشبهون الكرد في طيبتهم وكرمهم ووفائهم. هذه الصفات النبيلة هي ما تجعل الصداقة الحقيقية تتحدى الزمن والمسافات.وذكرت له بان بان احد الأصدقاء من زملاء جامعة السليمانية أيضا بصراوى ومازلنا نتواصل وهو الدكتور هادى اللامى .
دعوة إلى أربيل
قبل أن أودع صديقى هاشم عبدالمطلب احمد مرة أخرى، قدمت له دعوة صادقة لزيارة أربيل، عله يتمكن من زيارتنا قريباً، فتكتمل دائرة اللقاء في الوطن .
خاتمة

