(فرست عبدالرحمن مصطفى)
في كل موسمٍ انتخابي يعود الصوت ذاته… يرتدي بذلة الوعود الجديدة ويقف على المنصّة كأنّ شيئاً لم يحدث.
يتحدث القادة عن الإصلاح وعن العدالة والكرامة وعن كوردستان التي ستنهض من رمادها.
لكننا نحن الذين نعيش في الشوارع الضيقة ونتنفس همّ الكهرباء وننتظر الراتب كما ينتظر العطشان قطرة الماء ونعرف جيدا أن تلك الكلمات تُقال لتنام الجماهير لا لتستيقظ.
منذ سنواتٍ طويلة اعتاد الشعب أن يسمع من القادة في اردبيل و دهوك لغةً واحدة، لغة الدفاع عن الحقوق والتحديات والمؤامرات والإنجازات التي لا نراها إلا في نشرات الأخبار.
وخلف هذه الخطابات هناك واقعٌ مُثقلٌ بالإخفاقات، رواتب مقطوعة وشباب مهاجرون وبطالة تتسلل إلى كل بيت وخدمات تُدار كأنها مِنّة لا واجب.
أيُّ إصلاحٍ هذا الذي لا يبدأ من الإنسان نفسه؟ وأيُّ وعدٍ هذا الذي لا يزرع الثقة في القلوب بل يُعيد تدوير الخيبات؟
كانت كوردستان يوماً حلماً جميلاً ومشروعاً يُبنى على التضحية والحرية.
لكنها اليوم تتنفس بصعوبة تحت ثقل الفساد والمحسوبية والسلطة التي تشيخ ولا تتجدد. حيث أصبح الفقر نتيجة وليس قدر.
ولم يعد القهر من بغداد، بل من داخل البيت الكوردي نفسه. فالذي يسرق قوت المواطن لا يمكن أن يكون مدافعاً عن حقوقه، والذي يحتكر السلطة باسم الشعب لا يخدم الشعب بل يخدم ظله.
ما زال القادة يخاطبون الناس كما لو أننا في تسعينيات الحصار ويتحدثون عن “المؤامرات” و”الأعداء” بينما العدوّ الحقيقي اليوم هو الفقر والفساد والتراخي، العدو هو مؤسساتٌ لا تُحاسَب ووجوهٌ تكرّرت حتى ملّها الزمن.
الشعب الذي صمت طويلاً لم يعد يريد بطولاتٍ من ورق ولا صوراً ملوّنة تُغطي الحائط. بل يريد عدلاً بسيطاً وخبزاً نظيفاً وكهرباءً لا تنقطع ومواطناً لا يُهان.
ومازال الشعب يُخدع مجدداً ببريق الشعارات، لم يفكر بعد من لم يَفِ بوعوده بالأمس لن يفي بها غداً. ولم يفكر بان صوته هو الوسيلة الوحيدة لعودة الوجوه ذاتها، ولم يستغل الفرصة ليقول “كفى” بصوتٍ عالٍ.
لن امنح ثقتي لمن جعل من السلطة جداراً بينه وبيني، ولن اصدّق من يتحدث عن الكرامة بينما يدفن كرامة الفقير بصمتٍ إداريٍّ مريب.
ولم يفكر الشعب بعد أن الوطن لا يُبنى بالتصفيق بل بالمحاسبة، ولا يُصان بالولاء للأسماء بل بالولاء للعدالة.
كفى خطاباتٍ تُشبه الأغاني القديمة التي لم تعد تُطرب أحداً.
كفى بيعاً للوهم تحت اسم “الاستقرار” و”القيادة التاريخية”.
كوردستان تستحق أكثر من هذا الركود، تستحق أن تُقاد بالعقل لا بالعائلة وبالشفافية لا بالشعارات.
سيأتي يومٌ لا ينفع فيه تزيين المنصات ولا وعودٌ تُقال في ضوء الكاميرات.
سيأتي يومٌ يسأل فيه التاريخ هؤلاء القادة، ماذا فعلتم بالثقة التي منحها لكم الناس؟ وماذا قدّمتم لشعبٍ صدّقكم حتى آخر خيبة؟
إنّ الحلم الكوردي ما زال حيّاً، لكنه يختنق تحت أنقاض الوعود…
فمن أراد أن يحكم كوردستان فليبدأ أولاً بإنقاذها من هذا الصمت القاتل والتصفيق للشعارات.

