(فرست عبدالرحمن مصطفى)
في مجتمعاتنا لا تختلف العقول عن البطون كثيراً إلا في طريقة الاحتيال.
فالمعدة حين تجوع تصرخ بلا خجل، تفضح نفسها بصوتٍ يسمعه الجميع وتطالب بحقّها دون مواربة.
أما العقول، يا للعجب! فقد أتقنت الصمت المتواطئ، تجوع للكرامة ولا تنبس بحرف، تُهان ولا تشتكي، تُخدع ثم تُقنع نفسها أن الخداع “حكمة” وأن الجوع “زهد”!
المعدة صريحة في طلبها، تعرف ماذا تريد ومتى تريد، لا تؤمن بالشعارات ولا بالوعود الانتخابية للطعام.
أما العقول فامتلأت بالخطابات حتى ظنّت أن الكلام يُشبع وأن التصفيق يُغني عن الخبز وأن الوطنية تُؤكل على العشاء.
نعيش زمنا صار فيه الكذب فضيلة سياسية والنفاق مهارة اجتماعية والصدق مجازفة غير محسوبة.
فالمخّ عندنا لا يبحث عن الحقيقة، بل عن طريقةٍ لتمرير الكذبة بأقلّ الخسائر.
كل شيء عندنا يخضع لـ”دبلوماسية التفكير، نقول ما لا نؤمن به ونؤمن بما لا نجرؤ على قوله.
أحياناً أشعر أن البطون في بلادي أكثر وعياً من العقول، فهي لا تقبل بالوعود ولا تتغذى على الخطابات، بل تطالب بفعلٍ ملموس وبلقمةٍ حقيقية.
أما العقول، فقد شُبعت من الوهم حتى اعتادت طعمه، وأصبح الجوع الحقيقي يُربكها.
يا للمفارقة… المعدة صادقة رغم جوعها، والعقل كاذب رغم امتلائه بالمعرفة.
ربما لو فكرنا قليلاً بالمعدة وتركنا للعقل إجازة، لتغيّر هذا العالم المقلوب الذي يُشبعنا كذباً ويُجَوِّعنا حقيقة.