يشار بابان
في زمنٍ تتكاثر فيه المصالح وتبهت فيه القيم، يسطع اسم ريبوار طه كنجمةٍ مضيئة في سماء العمل العام، ورمزٍ للوفاء الذي لا يُشترى بالمناصب.
هذا الرجل الذي حصد أكثر من مائة ألف صوتٍ في الانتخابات البرلمانية العراقية، وضمن لنفسه مقعدًا مشرّفًا في برلمان بغداد، اختار أن يرفضه طواعيةً، مفضّلًا البقاء في كركوك، بين أبناء محافظته، ليخدمهم بيده لا بقراراتٍ تصدر من بعيد.
لقد عرف أبناء كركوك الفرق بين الأمس واليوم، فبعد أن كانت المدينة – في عهدٍ مضى – غارقةً في الإهمال، تعاني من تكدّس النفايات وضعف الخدمات، حتى باتت تُشبَّه بـ”المستنقع المنسي”، جاء ريبوار طه ليمسح هذا الغبار الثقيل، ويعيد إلى كركوك وجهها المشرق.
فبفضل متابعته الميدانية المستمرة، وجهوده اليومية، تحوّلت كركوك من مدينةٍ منهكة إلى حاضرةٍ نظيفةٍ نابضةٍ بالحياة، تشهد بذلك شوارعها وساحاتها وأحياؤها التي استعادت رونقها.
لم يكن اهتمامه بالنظافة مجرّد حملةٍ مؤقتة، بل كان فكرًا إداريًّا حديثًا يقوم على التنظيم والانضباط والرقابة الفعلية، مؤمنًا بأن نظافة المدينة هي أول مقياسٍ لحضارة الإنسان وكرامته.
وخلال عامٍ واحدٍ فقط، قدّم ريبوار طه ما لم يقدّمه غيره في سنواتٍ طويلة، لا من حيث المشاريع فحسب، بل من حيث الأسلوب الإنساني الرفيع في التعامل مع الناس.
كان قريبًا من الكبير والصغير، من العربي والكوردي والتركماني والآشوري، يتحدث إليهم بلغةٍ واحدة: لغة الاحترام والإنصاف.
إن قراره بالبقاء في مدينته، ورفضه موقعًا برلمانيًّا رفيعًا، لم يكن قرارًا عابرًا، بل موقفًا وطنيًّا عظيمًا يعكس معدن الرجال الذين لا تغيّرهم الكراسي، ولا تُغريهم الألقاب. لقد آثر الواجب على الوجاهة، والإخلاص على الطموح الشخصي، فارتفع في عيون الناس أكثر مما يرفعه أي منصب.
ولذلك، فإن أقل ما يُقال في حقه، أنه يستحق أعلى الأوسمة الوطنية، تقديرًا لشجاعته، وولائه، ونزاهته التي أصبحت مضرب المثل.
فكركوك لم تعرف محافظًا جمع بين الصرامة في القرار والرقة في التعامل مثل ريبوار طه، ولم تعرف قائدًا يرى في كل فردٍ مواطنًا له حقٌّ في الكرامة والإنصاف.
سلامٌ على هذا الصنديد الكوردي، الذي جعل من قراره درسًا في الوطنية، ومن حضوره رمزًا للعراق النزيه الذي ننتظره.
سلامٌ على ريبوار طه… من خدم الناس لا من موقعٍ عالٍ، بل من قلبٍ عالٍ بالوفاء.

