إعداد: عباس عبد الرزاق
المكان: غاليري غايا – نانت، فرنسا تنظيم: le jardin des formes الفنانون المشاركون: رمزي قطب الدين (رسم) – فرانسـين ميشليه وويليام بيل (خزف)

الفضاء الجمالي والموضوعي للمعرض
يأتي هذا المعرض بوصفه تتويجًا لمسار فني وإنساني طويل للفنان رمزي قطب الدين، الذي انطلق من جغرافيا مضطربة سياسيًا وثقافيًا – خانقين، على تخوم كردستان العراق وإيران – ليؤسس من المنفى الفرنسي عالمًا تشكيليًا تحكمه الذاكرة والماء والطفولة والمنزل. هذه الثيمات الأربعة لا تُطرح بوصفها محاور شكلية، بل باعتبارها أركانًا رمزية للوجود والهوية، يتقاطع فيها الحسّ الشخصي مع الوعي الجمالي الكوني.
لوحات قطب الدين تغوص في عالم من السكون والشفافية، حيث تمتزج الواقعية الشعرية مع النزعة التأملية. فالماء عنده ليس عنصراً فيزيائياً بل مرآة للروح، والأرض ليست سطحًا بل عمقًا للانتماء، أما البيت فهو صورة الحماية الأولى، والطفولة تمثل الزمن النقي الذي يسبق الوعي بالمنفى.
يُعيد الفنان بهذه المفردات بناء علاقة الإنسان بمحيطه المادي والروحي، في استعادة دائمة للبراءة الأولى، وكأنّ كل لوحة لديه هي محاولة لاسترداد الزمن المفقود من خلال اللون والضوء.
الرؤية التشكيلية والبنية البصرية
في الجانب البصري، يتبدّى أثر سيزان كحضور روحي أكثر منه تقنيًّا. فبدل أن يعيد قطب الدين إنتاج الشكل، يسعى إلى جعل الوجود محسوسًا، وإلى تحويل المادة اللونية إلى تجربة شعورية.
تتصف ألوانه بالهدوء المضيء والانسجام الداخلي، حيث تذوب الحدود بين الماء والسماء، وبين الشجر والذاكرة. هناك دائمًا توتر خفيف بين الوضوح والغموض، بين المشهد الطبيعي والانعكاس الداخلي، وهو ما يمنح أعماله بعدًا فلسفيًا لا يخلو من الغرابة الصامتة.
الزمن في لوحاته متوقف أو متهاوٍ ببطء، كما لو كان كل مشهد لحظة تأمل خارج جريان الأيام. هنا يتقاطع البصري بالشعري، فيتحول اللون إلى قصيدة مفتوحة على الصمت، ويصبح الضوء أداة استبطان نفسي وروحي.
هذا النزوع التأملي يجعل من تجربة قطب الدين أقرب إلى التيار الرمزي والتعبيري معًا، حيث تتعانق الطبيعة والخيال في بناء مشهد يفيض بالسكينة، لكنه في الوقت نفسه مشبع بقلق المنفى وحنين الجذور.
البعد الإنساني والأنثروبولوجي
من الصعب فصل تجربة رمزي قطب الدين عن سياقها الإنساني والسياسي. فالفنان الذي عاش المقاومة الكردية ثم المنفى، يحمل في لوحاته وعيًا مضاعفًا بالهشاشة والجمال.
الطفولة هنا ليست ذكرى بل استعارة للحياة الأولى قبل الاضطراب، أما البيت فهو رمز لمأوى مفقود، والماء والأرض يصبحان معادلين للبحث عن هوية منسوجة من الطين والحنين.
هكذا تتحول اللوحة عنده إلى نوع من التأمل الفلسفي في معنى الوجود والذاكرة، حيث يمتزج الذاتي بالجماعي، والمنفى بالانتماء، والحزن بالسكينة.
ولعلّ ما يميز تجربته هو قدرته على تحويل المعاناة إلى جمال بصري، لا عبر تمثيل الألم، بل عبر تجاوزه إلى مستوى من الصفاء التأملي الذي يذكّر بالتصوف الشرقي. فهو لا يرسم الحنين، بل يسكنه كفضاء للرؤية.
الحوار بين الرسم والخزف



