عباس عبد الرزاق
تشير التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي إلى العراق، مارك سافايا، إلى مرحلة سياسية جديدة تتبلور بصوت عالٍ: لا مكان لسلاح خارج مؤسسات الدولة، ولا مستقبل لتدخلات خارجية تُقاسِم بغداد قرارها الأمني. هذا الموقف، بقدر ما يحمل رسائل مباشرة إلى الفصائل المسلحة، يعكس أيضاً رغبة واشنطن في إعادة صياغة العلاقة مع العراق على أسس أمنية واقتصادية أكثر صرامة ووضوحاً.
الحكومة العراقية رحّبت — من حيث المبدأ — بفكرة “احتكار الدولة للسلاح”، لكنها ربطت التنفيذ بظروف واقعية معقدة، أبرزها وجود قوات أجنبية ومسار حوار داخلي لم يكتمل بعد مع الأطراف المسلحة. المشهد السياسي منقسم: قوى ترى في تصريحات سافايا فرصة لإعادة بناء الدولة، وأخرى تنظر إليها كضغط خارجي يستهدف موازين النفوذ الداخلي.
المعادلة واضحة: أي خطوة نحو حصر السلاح بيد الدولة يجب أن تراعي البنية السياسية والاجتماعية التي انتجت هذه الفصائل، وأن تتعامل مع الملف بوصفه قضية دولة لا معركة بين أطراف. نجاح الحكومة في إدارة هذا الملف يتوقف على قدرتها على قيادة عملية تدريجية مدروسة، تتضمن دمجاً، وإصلاحاً أمنياً، وحواراً سياسياً يضمن عدم انزلاق البلاد إلى مواجهة مفتوحة.
تصريحات سافايا أعادت تسليط الضوء على واحدة من أعقد قضايا العراق منذ 2003. والسؤال اليوم: هل يمتلك العراق — بدعم دولي وإرادة محلية — فرصة فعلية لتحويل هذه اللحظة إلى بداية مسارٍ إصلاحي حقيقي؟ أم أننا أمام فصل جديد من الضغوط المتبادلة دون نتائج حاسمة؟
بين هذين الاحتمالين يقف العراق عند مفترق طرق، فيما يظلّ مستقبل الدولة مرهوناً بقدرتها على فرض سيادتها، وبناء مؤسساتها، وضبط السلاح تحت راية واحدة… راية الوطن.