عباس عبدالرزاق
تشهد الساحة السياسية العراقية اليوم مرحلة حرجة في تاريخها الحديث، بعد انتخابات 2025 التي أعادت تشكيل البرلمان بشكل يجعل التوافق على حكومة جديدة تحديًا كبيرًا. بينما يبدو المشهد الخارجي هادئًا، فإن وراء الكواليس تجري مفاوضات حادة لتشكيل الحكومة المقبلة، وسط تنافس شديد بين قادة الأحزاب العراقية والفصائل المختلفة.
وفي هذا الإطار، برزت الزيارات المكوكية لقادة الأحزاب العراقية إلى إقليم كردستان كأداة رئيسية لضمان الدعم الكردي، وهو ما يعكس حقيقة أن تشكيل الحكومة لا يمكن أن يتم بمعزل عن موقف القوى الكردية التي تمتلك “الثلث المرجح” في البرلمان. هذه الورقة تحلل السياق السياسي، دوافع هذه الزيارات، السيناريوهات المحتملة، والتحديات الاستراتيجية أمام العراق.
السياق السياسي الراهن
-
البرلمان الجديد والتوازنات السياسية
شهدت الانتخابات الأخيرة فوز حوالي 80 مقعدًا لفصائل متنوعة ضمن الإطار التنسيقي، في حين حصلت الأحزاب الكردية على حصة مهمة تجعلها لاعبًا حاسمًا في أي عملية تشكيل حكومة. هذا الواقع يجعل من الضروري لأي قوة شيعية أو سنية أن تضمن الدعم الكردي قبل إعلان أي مرشح لمنصب رئيس الوزراء.
كما أن التعددية الحزبية، مع وجود أكثر من 20 مرشحًا مطروحًا، يزيد من تعقيد التوافقات، ويجعل من أزمة اختيار رئيس الحكومة مسألة حساسة للغاية.
-
القوى الإقليمية والدولية وتأثيرها
يخضع العراق لتأثير قوي من عدة جهات خارجية:
الولايات المتحدة: تركز على الاستثمار والاستقرار، ولها اهتمام مباشر بملفات السلاح والاقتصاد.
إيران: تسعى للحفاظ على هيمنة الفصائل الشيعية ودعم البيت الشيعي في بغداد.
القوى الإقليمية الأخرى: مثل تركيا والدول الخليجية، تراقب الموقف عن كثب، خصوصًا فيما يتعلق بالأمن والحدود والسياسات الاقتصادية.
هذه العوامل تجعل أي خطوة في تشكيل الحكومة مرتبطة بقدرة الأطراف الداخلية على إدارة الضغوط الخارجية والتوازنات الداخلية.
الزيارات المكوكية إلى إقليم كوردستان
-
الهدف من هذه الزيارات
الزيارات المتكررة للقادة السياسيين العراقيين إلى أربيل والسليمانية ليست مجرد نشاط بروتوكولي، بل تهدف إلى:
ضمان الدعم الكردي في التصويت على رئيس الوزراء.
حسم ملفات حيوية مثل رئاسة الجمهورية، حصة الإقليم من الموازنة، وملف النفط.
تخفيف حدة التوترات بين الإطار التنسيقي والفصائل السنية والكردية، بما يتيح ولادة حكومة مستقرة.
-
قوة الإقليم التفاوضية
التباين بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني يمنح كل منهما قوة تفاوضية كبيرة، حيث يمكنه التأثير على اختيار رئيس الوزراء وحقيبة الوزراء. لذلك، فإن أي محاولة لتشكيل الحكومة دون توافق مع الإقليم ستواجه عقبات كبيرة، وربما تؤدي إلى انسداد سياسي طويل.
-
تأثير الإقليم على التوازنات الوطنية
دور الإقليم في التوافقات يمتد ليشمل: تحديد حصة القوى السنية في الحكومة. التأثير على ملفات الأمن ونزع السلاح الثقيل.التوازن بين مصالح القوى الشيعية المختلفة ضمن الإطار التنسيقي.
باختصار، أصبح الإقليم لاعبًا استراتيجيًا رئيسيًا في تشكيل الحكومة، وهو ما يفسر أهمية زيارات القادة السياسيين المستمرة إلى كردستان.
السيناريوهات المحتملة لتشكيل الحكومة
السيناريو الأول: تسوية توافقية وحكومة محدودة الصلاحيات
مرشّح “لا يستفزّ أحدًا” من داخل الإطار التنسيقي.
قبول كردي–سنّي مشروط ببرنامج حكومي محدد يركز على الاستقرار وتهدئة ملفات السلاح والاقتصاد.
ولادة الحكومة خلال أشهر قليلة، مع استمرار الأزمات الهيكلية دون حل جذري.
السيناريو الثاني: تفكك داخلي وتأجيل الحسم
صراع داخلي داخل الإطار التنسيقي بين المالكي والسوداني أو ظهور مرشح ثالث قوي.
تعطّل جلسات اختيار رئيس الوزراء وتأجيل تشكيل الحكومة.
استمرار حكومة تصريف الأعمال حتى منتصف 2026، مع استمرار حالة الانسداد السياسي.
السيناريو الثالث: صفقة كبرى بين الإطار والديمقراطي الكردستاني
تسوية شاملة تشمل رئاسة الجمهورية، حصص الموازنة، وملف النفط.
دعم مرشح محدد لرئاسة الوزراء، مما يؤدي إلى ولادة حكومة قوية نسبيًا.
هذا السيناريو يعتمد على تدخل إقليمي لضمان استقرار البيت الشيعي.
السيناريو الرابع: حكومة مفصلية تحت ضغط أمريكي
رئيس وزراء ضعيف الصلاحيات، مع برنامج واضح لنزع السلاح الثقيل.
إعادة ترتيب علاقة العراق بالتحالف الدولي.
مواجهة رفض شيعي محتمل، مع خطر اضطرابات سياسية محدودة.
السيناريو الخامس: تدخل إقليمي مباشر
قبول مرشح اضطراري من الصف الثاني أو تكنوقراطي يحظى بدعم مزدوج من الأطراف الإقليمية.
تسريع عملية تشكيل الحكومة، لكن مع احتمالية ضعف الأداء السياسي على المستوى الداخلي.
السيناريو السادس: عودة الضغط الشعبي
استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مما يعيد الاحتجاجات إلى الشارع.
فرض تسوية سياسية–مجتمعية جديدة بسبب ضغط المواطنين.
تغيير قواعد اللعبة بالقوة الشعبية، ما قد يفرض حلولًا عاجلة.
التحديات الاستراتيجية أمام العراق
-
أزمة الثقة بين الفصائل: التنافس الداخلي قد يؤدي إلى تأخير التوافق، مما يعقد القدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
-
الملفات الثقيلة: السلاح غير المنضبط، الأمن، الفساد، والاقتصاد بحاجة إلى توافق سريع لتفادي الانزلاق نحو أزمات أكبر.
-
الضغط الخارجي: الولايات المتحدة وإيران تتابعان عن كثب أي تحرك سياسي، ما يزيد من صعوبة اتخاذ قرارات مستقلة.
-
التوازن الكردي–الشيعي–السني: أي إهمال لمصلحة طرف قد يؤدي إلى أزمة سياسية مركبة، وتأجيل الحكومة لسنوات.
توصيات استراتيجية

